في بعض الأحيان يصوّر الشاعر الآخرين الذين أصبح ملاصقا ًلهم أو متعايشا ًبينهم، أو هو على احتكاك معهم سواءً في مدينته أو خارجها، بأنهم هؤلاء الذين يستقون المعارف والأفكار من الحورات العلمية والثقافية، ولكونه أحدهم وابن بيئتهم، ويعيش عصرهم يتأثر بهم ويحاول أن يؤّثر بهم عبر معانيه ومخيلته العاجة بالصور، ثم يأخذ بالبحث عنهم عبر ترحاله الخاص والعام، ونزوله إلى الشارع لممارسة دوره في بناء المجتمع والوطن، وهو يظل يفتش في خبايا الإنسان، ليصدر أحكاماً شعرية مليئة بالموعظة والتطور الفكري وتوجيه الناس. وهذا النوع من الشعراء غير موجود كما اعتدنا على شعراء الصعلكة والمديح للسلاطين وأصحاب المقام، كما حدث للشعراء في العصر العباسي الذين أخذوا يبحثون عن النصح والإستفادة من المجتمع، وإعتقد أن كل قصائد الشاعر "الشكرجي" هي بمثابة فلسفة وإرشاد حيث نجد زاد القصيدة عنده وهي نصائح لكل طبقات المجتمع، ومنها المعمم والسياسي الذي يقود دفة الحكم في العراق، والإنسان البسيط الذي لا يجد قوته، حتى شكلت قصائده قوانين ومفاهيم أرضية من الممكن استثمارها في كتابة الدستور العراقي والعالم، بحسب تعبيري وعلينا الأخذ بها وترجمتها إلى الواقع الذي يحاصرنا من حيث الفساد والموت والدم الذي لا ينتهي وتأتي القصائد الشعرية لديوان "قبر للبيع" وهي قصائد شعبية: "أحس ظلمه والضوايات انطفن، ولك مات الليل شيجيب الصبح". وهذه المخيلة الشعرية التي تحمل التعابير المنظومة ذات الإيقاع الموسيقي والتي هو ينسجها وفقا ًللحالة التي يمر بها، ويحس بها تبعاً لمعايشته للمكان وللزمان الذي انطلق منه في مدينته النجف التي تحمل طابعا ًبيئيا ًخاصًا، وهذا السيل الجارف من الكلمات كما قلنا، الذي يبدعه ُ الشاعر في هذا الكم من الدواوين المطبوعة والصادرة من عدة دور للنشر والتوزيع، ما هي الإ نتاج محسوب في حياة هذا الشاعر الذي استمد عقيدته من كتاب الله تعالى ونبيه (صلى الله عليه وسلم) وآل بيته (عليهم رضوان الله). وقد وقعت بين يديَ المجموعة الشعرية "قبر للبيع" للشاعر العراقي المعروف بين أوساط المثقفين جابر الشكرجي، والصادرة من "دار الأمة" للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة سوريا –دمشق – الطبعة الأولى، فقلت دعني أدخل في عالم هذا الشاعر الزاهد والمتصوف في ثنايا قصائده المتحركة والتي تدور رحاها بين جدلية الموت والحياة وفلسفتهما. يقول عنه الشاعر والناقد المعروف والصديق رزاق ابراهيم حسن في مقدمة الديوان، خلال ما تركت من حضور ومؤثرات، وهذه القصائد تتعامل مع الشخصيات من خلال الخصائص والملامح والقيم التي كانت عليها، وعرفت بها: لكيته بكربلا يبجي يبجي وحاير بأمره أشّر لي قصيدة إيريد ياهي المرت بفكره ثاري اخرس وما يحجي أوما اعرف شنو سره ولأني أخوض في تفاصيل القصيدة الفصحى، وأكتب عنها أو أختار منها كي أقدمها في فضاء العرض المسرحي، دخلت لأقرأ كثيراً عن الشعر الشعبي، فوجدته على أنه مجموعة من التعابير المنظومة التي تُؤدى بالإبداعات والكلمات العامية أو الدارجة، وفي هذا الديوان أراد الشاعر جابر الشكرجي أن يفلسف حالة الموت والحياة ويخضعها لمعياره الخاص، حيث يجعل من الموت عملية خاضعة للبيع والشراء، وهل أراد أن ينتهي من الموت ويتخلص من عبودية القبر من مساومات الآخرين، ومن محاولاتهم الظهور بمظهر المتفضل، وهل أراد أن يجعل من القبر لما يجري في الحياة. كطع إيد اليبوك ابشرع الاسلام الحكم الشرع واجب احترامي وعندما تتأمل لغته البسيطة والمعبرة، تلك اللغة الوصفية الساحرة، وكأنه يغوص في عمق الروح، ويتشاجر معها حتى يستصرخ أهل الأرض من سباتهم عبر ألفاظه المشحونة بتناقض المحسوسات حتى يُشعرك عبر صور وتشبيهات مستقاة من واقعه السيء الذي فُرض علينا وعليه، والذي نعاني منه، وهو في حالة تصعيد باتجاه المبادئ والمثل العليا وتجلياتها، وأعتقد أن هذا الشاعر (الشكرجي) يوصينا عبر قصيدته يجب ألا تكون أعمالنا لصالح ذواتنا، فيذكرنا عبر قبره الذي أعلنه في مزاده المعلن، أن ننبذ مصالحنا الشخصية حتى نرتقي بالحياة الإنسانية في الدنيا والآخرة، وهنا نضع قصيدة الشاعر "أبي العتاهية" في الزهد وترسيخ القيم: هب الدنيا تساق إليك قسراً ** أليس مصير ذاك إلى زوالِ؟ ولهذا تجد في هذا الديوان "قبر للبيع" ما يدعو إلى التفكير والتأمل، أليس كل ما يملكه الفرد سينتهي إلى زوال، وبالتالي معادلة الحياة بالعمل الصالح، كما أنه يتعامل مع الموت على انه "عاشور" أو "نَسيت أموت" وهنا يستخدم الشكرجي الأسلوب الفنتازي الساخر فيُعلن (يوجد لدينا "قبر للبيع" بناء حديث وموقع ممتاز على الشارع العام وعليه لوحة نُقشت بالخط الآدمي "الراحة الأبدية": أنته عالم خاص اسرار وغموض ** مو لغز واحد هوايه الغاز بيك الناس موجوده إعله مُودك بالحياة ** شِما يعد بيها العمر لازم تجيك بقي أن نذكر أن لديه العديد من الدواوين المطبوعة نذكر منها "غيم ومطر" شعر شعبي عراقي "الطبعة الثالثة" عن دار الأمة للطباعة والنشر. ديوان "الناعي" طبع في بيروت. وديوان "عابس" بيروت عام 2008، وغيرها من الدواوين، والشاعر هو جابر عبدالرضا أحمد، من العراق محافظة النجف.
مشاركة :