نعى الشاعر المصري الراحل سيد حجاب نفسه، وهو الذي فارقنا قبل أيام قليلة، قبل أن ينعيه شاعر آخر. وكتب يقول: « لو مت ع السرير ابقوا احرقوا الجسد... ونطوروا رمادي ع البيوت... وشوية لبيوت البلد... وشوية ترموهم على تانيس... وشوية حطوهم في إيد ولد... ولد أكون بُسته... ولا أعرفوش... ولو أموت... قتيل... وانا من فتحة الهويس بافوت... ابقوا اعملوا من الدم حنة... وحنوا بيها كفوف عريس... وهلال على مدنة... ونقرشوا بدمي... على حيطان بيت نوبي تحت النيل... اسمي». رحل سيد حجاب... تزامنا مع الذكرى السادسة لثورة 25 يناير التي كان أحد رموزها، عن عمر يناهز 77 عاما، أمضي منها ما يقرب من الـ 40 عاما واكثر في كتابة الشعر، وما يقرب من 30 عاما في إرواء تربة الأشعار الغنائية للدراما المصرية. وطوال تلك الفترة قدم مجموعة من اهم الأغاني و«التترات» الدرامية، التي لن تُنسى من ذاكرة الدراما المصرية ، ولا ذاكرة الجمهور المصري والعربي. ولد الشاعر سيد حجاب في مدينة المطرية في محافظة الدقهلية، في سبتمبر عام 1940، وهي المنطقة القريبة من بحيرة المنزلة التي نشأ بها، لتصبح أولى مكونات الشخصية الفنية والشعرية له، نتيجة تأثره بتلك البيئة الساحلية وارتباطه بالصيادين العاملين ببحيرة المنزلة، لتظهر بوادر الموهبة الشعرية له منذ نعومة اظافره بعد أن تأثر بحياة الصيادين وبدأ في تدوين يومياتهم ومصطلحاتهم وحكاويهم ليحاكيها في أشعاره ورواياته. وتميز «حجاب» عن باقي ابناء جيله من الشعراء بهذه النشأة البيئية التي اثرت موهبته ومفردات لغته الشعرية والتي ظهرت جليا من خلال الاعمال التي تناولت حياة البحارة والصيادين والحياة الساحلية مثل مسلسلات «البحار مندي»، «قال البحر»، و«المرسى والبحار». إلى جانب ديوانه الاول الذي قدمه تحت عنوان «صياد وجنية»، وهو ما ظل تأثيره على حياته حتى اللحظات الاخيرة منها، فظل يذهب لمدينة الاسكندرية الساحلية لكتابة أعماله وروائعه الشعرية، لما لهذه الطبيعة الساحلية المبدعة من تأثير عليه وعلى إبداعه. وبعد ديوانه الأول «صياد وجنية» الذي حقق نجاحا كبيرا على المستوى النقدي، انتقل سيد حجاب الى مدينة القاهرة ليتعرف على كبار شعراء جيله أمثال عبد الرحمن الابنودي وصلاح جاهين وغيرهم من الشعراء الذين احتفوا به وبديوانه وبأسلوبه الشعري البسيط المميز، ليبدأ بعدها مرحلة جديدة من مراحل أبداعه الشعري وفن صناعة الكلمة المؤثرة شعريا وغنائيا. لقاء العم والخال التقى العم «حجاب» بالخال عبد الرحمن الأبنودي في إحدى الندوات الثقافية بالقاهرة حيث نشأت بينهما صداقة بعد هذا اللقاء، ثم تعرف إلى أستاذه الثالث صلاح جاهين الذي تنبأ له بأنه سيكون صوتا مؤثرا في الحركة الشعرية. وعقب صدور ديوانه «صياد وجنية» الذي احتفى به المثقفون في ستينيات القرن الماضي، انتقل إلى الناس عبر الأثير من خلال مجموعة البرامج الإذاعية الشعرية «بعد التحية والسلام» و»عمار يا مصر» و»أوركسترا»، وقد كان الأبنودي يقدم معه البرنامج الأول بالتناوب لكنهما انفصلا بعد فترة وبدأ كل منهما يقدم برنامجا منفصلا كما شارك في إصدار مجلة «غاليرى 68» ونشر بها بعض الدراسات والأشعار وقد كتب للأطفال في مجلتي «سمير» و»ميكي». تنوع أعماله شارك سيد حجاب في الندوات والأمسيات الشعرية والأعمال التليفزيونية والسينمائية في محاولة للوصول للجمهور، وقدمه جاهين لكرم مطاوع ليكتب له مسرحية «حدث في أكتوبر». بعدها دخل مجال الأغنية حيث غنى له كل من عفاف راضي وعبد المنعم مدبولي وصفاء أبو السعود، ثم كتب أغاني لفريق الأصدقاء في ألبومها، ثم أتبعه بألبومين هما «أطفال أطفال» و»سوسة». كما التقى ببليغ حمدي الذي لحن له أغنيات لعلي الحجار وسميرة سعيد وعفاف راضي، وقدم معه الحجار «تجيش نعيش» وكتب لمحمد منير في بداياته أغنية «آه يا بلاد يا غريبة» في أول ألبوم له، ثم أربع أغنيات في ألبومه الثاني، ثم كتب أشعار العديد من الفوازير لشريهان وغيرها بجانب العديد من تترات المسلسلات. حجاب والشريعي كوّن حجاب مع الموسيقار عمار الشريعي ثنائياً منذ الثمانينيات، ومن خلال فرقة الأصدقاء قدما معا أكثر من ألبوم، وتوالت أعمالهما بالإضافة إلى مجموعة من أروع أغاني المسلسلات، ومنها «ليالي الحلمية»، و»أرابيسك»، و»قمر على بوابة المتولى» و»العيلة» و»كناريا وشركاه» وغيرها. وتمتعت هذه الأعمال بمزج غريب بين الكلمة التي يكتبها حجاب والنغمة التي يبدعها عمار حيث جاءت الألحان وكأنها مدركة جيدا للمشاعر الإنسانية وكلمات الدراما الشعرية، كما تعاون حجاب مع موسيقيين آخرين من بينهم ياسر عبد الرحمن في لحنه الشهير للمال والبنون. دواوينه كتب حجاب ما يقرب من 12 ديوانا منها: صياد وجنية، عن دار ابن عروس، القاهرة عام 1964 وجمعت بقية الدواوين في كتاب «الأعمال الشعرية الكاملة» والتي صدر الجزء الاول منها في القاهرة عام 1986؛ كما صدر له في الأعوام الأخيرة كتاب يضم مجموعة قصائد لم تنشر من قبل تحت عنوان «مختارات سيد حجاب» عن مكتبة الأسرة. وأصدرت هيئة الكتاب المصرية في العام 2014 عقب حصوله على جائزة الدولة التقديرية كتابا بعنوان «سقوط الآلهة... قراءة في الوعي الجمالي عند سيد حجاب» ألفه الشاعر حميده عبد الله والذي أشار في الكتاب إلى أن حجاب يتمتع بحالة ثورية في أعماله لا تنفصل عن وعيه الجمالى، وإنما ينبثق كلاهما عن الآخر ويتأسس هذا الوعي تحديدا على سمة بارزة، هي الوضوح المجازى الذي ينأى عن السطحي ويأنس بالفنية العالية؛ مما يثبت أن أعماله هي الأكثر أصالة. وقد تتفوق على كثير من تعقيدات الشكل الفني المبني على مهارة لا تؤدي إلى آثار ايجابية، بقدر ما تؤدي إلى فوضى الاشكال التي لا يتميز فيها الصواب من الخطأ والكذب من الحقيقة.
مشاركة :