يتعرض رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، منذ الثلاثاء الماضي، لهجوم منسق بتهمة «بيع خور عبدالله»، الذي يعد منفذاً بحرياً مهماً للبصرة، إلى الكويت، أو التنازل عنه، وهو موضوع حساس بعد فقدان العراق السيادة على جزء كبير من شط العرب، ومياه الفاو الإقليمية لمصلحة إيران، وفق اتفاقية ١٩٧٥ بين صدام حسين وشاه إيران. وطبقاً لقرارات ترسيم الحدود البحرية الصادرة عن الأمم المتحدة، إلى جانب اتفاقيات ثنائية بين بغداد والكويت، أبرمت قبل 4 أعوام، يتقاسم العراق والكويت المسؤولية عن إدارة خور عبدالله، الممر المائي المحاذي لجزيرة بوبيان وساحل البصرة، وأصدر مجلس الوزراء العراقي قراراً، الثلاثاء الماضي، يتعلق بتنفيذ الاتفاقيات السابقة، ليواجه هجوماً واتهاماً بـ«الخيانة العظمى»، شنه نواب ومسؤولون موالون، غالباً، لنوري المالكي، رئيس الحكومة السابق. وفي توضيحات رسمية، وعلى هامش لقاء جمع العبادي بفاعلين سياسيين وصحافيين في بغداد، بين رئيس حكومة العراق أنه لم يصدر قراراً جديداً بشأن خور عبدالله، بل أوامر تنفيذية يجب على العراق الوفاء بها، استناداً إلى التزاماته مع مجلس الأمن ومع الكويت، وهذه الاتفاقيات الحاسمة أبرمت في عهد سلفه نوري المالكي. وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المحلية سجالاً حاداً حول الأمر، لكن الاتهامات التي وجهت إلى العبادي سرعان ما انقلبت ضد سلفه نوري المالكي، الذي أراد استغلال الواقعة ضد منافسه، ثم اتضح أنه هو الذي أبرم الاتفاق مع الكويت، وأن العبادي مجرد متابع للالتزامات القانونية. وتشهد هذه الفترة سخونة مبكرة لـ«تنور» الانتخابات العراقية، وتتصاعد التراشقات داخل البيت الشيعي بين حلفاء طهران، مثل المالكي وفصائل الحشد الشعبي، والجناح الموصوف بالاعتدال، مثل حيدر العبادي، وحلفاء المرجع الأعلى السيد علي السيستاني، حيث يطمح الفريقان إلى الهيمنة على البرلمانات المحلية في اقتراع يفترض إجراؤه في سبتمبر المقبل، وسيحدد حجم القوى والتيارات في الانتخابات النيابية العامة المقررة العام المقبل. وتدخل قضايا العلاقة مع الولايات المتحدة، والمفاوضات مع القوى السنية والكردية لإدارة مدن شمال وغرب العراق، ومسائل اقتصادية حساسة، كجزء خطير من تبادل الاتهامات التي بدأت بمنزلة «حفل تسقيط سياسي من العيار الثقيل»، حسب وصف الأوساط المعنية، ويبدو أن قضايا عديدة ستندرج في إطار هذه المزايدات، منها اتفاق الإدارة المشتركة لممر خور عبدالله بين العراق والكويت، رغم أنه بات موضوعاً يثير سخرية الرأي العام، لأن من يعترض عليه اليوم هو من أبرمه بالأمس. وكان هذا الاتفاق، وفق الأوساط المطلعة، شرطاً أساسياً لخروج العراق من البند السابع والوصاية الدولية، كوفاء بما تبقى من التزاماته المتعلقة بغزو النظام السابق للكويت، وسبق للمالكي أن احتفل بهذا «كإنجاز تاريخي»، رغم أنه يحاول اليوم استخدامه كـ«خطيئة تاريخية» يرتكبها العبادي. ويقول مقربون من رئيس الحكومة الحالية إن هذا الاتفاق الثنائي بمنزلة تفاهم دولي، ولا يمكن التراجع عنه، رغم أن الكويت والعراق تركا الباب مفتوحاً، كما تنص الاتفاقية، أمام مراجعة تفاصيل الالتزام المشترك. وكتب ناشطون بصريون ومدونون عراقيون، في مواقع التواصل الاجتماعي، أن النواب والمسؤولين الذين يتباكون على عائدية خور عبدالله، لا يحيطون علماً، في الغالب، بشؤون الملاحة ومعاني الاتفاقية الثنائية. وذكر آخرون أن المسؤولين يزايدون في قضية مفروغ منها منذ أعوام، بينما أهملت بغداد مناطق الساحل البحري وأهلها، حيث بقيت الفاو وأبي الخصيب وأم قصر، مهملة بنحو قاس، حتى إنها تكاد تكون المنطقة البحرية الوحيدة في العالم التي لا تمتلك محطة لتصفية مياه البحر، ويستخدم أهلها الماء المالح، وتتعرض منشآتها التاريخية لإهمال كبير، ويشيع فيها الفقر، وتختفي بساتينها التي كانت توصف بأنها فراديس من الحناء والنخيل.
مشاركة :