لا تنتظر الفنانة نجاة مكي المكان كي تجعله مرسمها، فهي توجده في كل مكان، فمرسمها الحالي في المنزل، بدأ يتوسع وتزداد مساحته في عملية وصفتها بمثابة الترحيل. وأكدت مكي خلال زيارة «الإمارات اليوم» لمرسمها، أن المساحة الخاصة مطلوبة للفنان حين يكون لديه إنتاج كبير، خصوصاً أنها تعمل على إثبات حضورها الفني بشكل يومي من خلال ضربات خفيفة من اللون، سواء على «السكتش» المصغر أو من خلال النحت أو حتى القماش، لأن المرسم هو غرفة الأوكسجين التي تتنفس منها. «كان والدي تاجر أعشاب، وكانت الألوان التي أراها في الأعشاب متشابهة، لكنها ذات تدرّجات كثيرة». «في طفولتي كنت أراقب ظلّي حين أمشي في الطريق، وكنت أراه يسبقني، وأركض كي أرى أين سيذهب». ليست للبيع أكدت الفنانة نجاة مكي أن لديها الكثير من الأعمال التي لا تعرضها للبيع، لأنه بعد تجربة طويلة، تكون هناك أعمال قريبة وهي بمثابة تاريخ وحياة، فهي الذاكرة، ولفتت الى ان هناك لوحة رسمتها عام 1989، وتعبر من خلالها عن علاقتها بمنزل جدها القديم، وانتقالها الى المنزل الجديد، وكيف بقي جزء منها متعلق بذلك المنزل، من الصعب أن تتخلى عنها. من أجل الفن لفتت الفنانة نجاة مكي إلى أن رواد الفن في الإمارات لم يبيعوا أعمالهم منذ انطلاقتهم، فقد بدأت عملية البيع بعد سنوات طويلة من العمل والرسم، لكنهم لم يشتكوا، فكانوا يمارسون الفن لأجل الفن وليس لأجل البيع، والهدف التعبير عن أشياء يجب أن تخرج من الذات، مستغربة الجيل الجديد الذي يتأفف من قلة البيع منذ بداية المشوار. وأشارت الى أن المجموعة الأولى لها بيعت في معرض بنادي الوصل في الثمانينات، وكانت فيها أساليب عدة، ومتنوعة بين الرسم والنحت، فهي تجارب من خامات عدة. 1989 رسمتُ لوحة تكرّس علاقتي بمنزل جدي. 25 سنة هو عمر المرسم الحالي الذي توسعت به. لا أتعاطى مع المرسم على أنه وظيفة، فهذا سيجعلني أكرهه، ولكن أسجل حضوري يومياً في المرسم. يكتظ مرسم مكي باللوحات التي تراها مصدراً للطاقة الإيجابية، ودليلاً واضحاً على أن الحياة مستمرة، لاسيما أن علاقتها بالفن علاقة يومية، تسير وفق إيقاع البشر اليومي، فهي تستيقظ صباحاً وتبدأ يومها بتسجيل حضورها في الفن، على قطعة ورق أو قماش أو حجر، وهذا التسجيل للحضور تعتبره في غاية الأهمية على الصعيد الروحي والنفسي، كونها مرتبطة وجدانياً بالفن. تعتبر مكي المرسم غرفة الأوكسجين التي تستمد منها الحياة، مشيرة إلى أن البيئة التي عاشت فيها كانت المرسم الأول لها، وشكلت انطلاقة أفكارها وكونت مداركها حول اللون والكتلة، وكانت العناصر التراثية أساسية. وقالت: «كان والدي تاجر أعشاب، وكانت الألوان التي أراها في الأعشاب متشابهة، لكنها ذات تدرجات كثيرة، وتعرفت من خلالها الى لائحة اللون والشكل، فكانت البيئة، سواء الاسرية أو المحلية، بكل ايقاعاتها اليومية هي أول علاقتي باللون»، وأضافت «البحر خلف المنزل منحني جمالية ثانية، وكذلك وجوه الناس الذين يذهبون ويمشون عند البحر، والموج وتدرج ألوانه، وزبد البحر الأبيض، والنوارس، كلها كونت مخيلة كبيرة وجماليات مازالت محفوظة في الذاكرة، وتستعاد باللوحة بشكل تلقائي». أسست مكي المرسم الأول في المنزل الذي تسكنه حالياً منذ 25 عاماً، اذ لم يكن لديها مساحة خاصة ومستقلة في المنزل، مشيرة الى أنه بعد تخرجها في الجامعة كانت جمعية الامارات للفنون التشكيلية المساحة التي انطلقت من خلالها ملاذها الأول، حيث عملت على تكوين مكان واسع للرسم، وكونت صداقات وألفة ومحبة كان هدفها انتشار الفن. أما اليوم فتؤكد أن المرسم الخاص بها بات مزدحماً وليس فيه الكثير من المساحة، وهذا أحياناً يقلل من قدرتها على العمل، مشيرة الى أنها لا تتوقف، فهي تسجل الحضور الذي تعتبره أمانة. أما انطلاقتها مع اللوحة فيكون لها وقع مختلف، فهي تنسى العالم الخارجي وتعيش في عمق العمل الفني. وشددت على أنها تبني علاقة مع الزمن، وكذلك المكان، مشيرة الى انها تشعر بأن الجدران تحدّثها وتغريها كي ترسم عليها، ففي بداياتها انطلقت بالرسم على الجدران في منزل جدها القديم. أما علاقتها بالوقت فتصفها بأنها علاقتها بانعكاس الضوء، وتقول: «يجذبني الظل، وفي طفولتي كنت أراقب ظلي حين أمشي في الطريق، وكنت أراه يسبقني، وأركض كي أرى اين سيذهب، وبعدها اكتشفت أن حجم الظل يختلف تبعاً للوقت، فهو رفيق للإنسان وأبحث عنه دائماً». لا تتعامل مكي مع المرسم على أنه وظيفة، إذ ترى أن تعاملها معه كوظيفة سيجعلها تكرهه، فهي تتعاطى مع اللوحات كما لو انها بشر، مؤكدة أن جو المرسم يؤثر في الفنان، فأحياناً الإضاءة الخفيفة تزعجها، الأمر الذي يؤثر في طريقة رسمها، ولكن ترى ان العلاقة مع العمل تجعلها متشبعة منه، الأمر الذي يسهل عليها بداية أخرى مع عمل آخر، والبحث والسعي الى إيجاد شيء أكثر جمالية. اختارت مكي لون التركواز في ديكور مرسمها، وأكدت أنها اختارته لجماله، منوهة بأنها سريعة الاختيار وتعمل على انتقاء ما هو بسيط ومنسق كي تشعر بالراحة، مشيرة الى أن المرسم لا يتسع لاستقبال الأصدقاء، ولكن في بعض الأحيان يأتون طلبة الكليات للاطلاع على تجربتها، ويسعدها استقبالهم. وعن تجربتها على مر السنين، قالت: «حاولت أن أجتهد وأطور من نفسي، ولكن من يتابع فني يدرك المراحل التي مررت بها، والى الآن لا يمكنني الوقوف عند أسلوب ونمط معين بل أتطور، ففي أيام الدراسة التي كانت من أجمل المراحل في حياتي، لاسيما أننا كنا مجموعة من الإمارات ندرس في مصر اختصاصات تنوعت بين الديكور والعمارة والتصوير والنحت، كان لي أسلوب مختلف عن اليوم». ولفتت الى أنها تخصصت بالنحت وذهبت الى اللوحة، لأنه كله يصب في خانة الفن، فالنحت في وقتها لم يكن مقبولاً، لذا لم تتوقف بل انطلقت الى اللوحة، واليوم اللوحة باتت نافرة وفيها أبعاد، ولكن مازال النحت يجذبها، وتقوم بنحت بعض الأعمال بين وقت وآخر.
مشاركة :