الشارع يردّ الضربة بقوّة إذا، أما الرئيس فيختصر نظرته إلى الصحافيين بعد زيارته لمقر المخابرات قائلا إنهم من أكثر المخادعين على وجه الأرض!. العربطاهر علوان [نُشرفي2017/01/31، العدد: 10529، ص(18)] مازال العالم في أجواء انتخاب الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتّحدة، دونالد ترامب. الضجيج على أشدّه من مختلف الاتّجاهات والكلّ يترقّب ما سيفعله الرئيس، ما سيتّخذه من قرارات، لكن في وسط الدراما المتصاعدة فصولها في ما يتعلّق بشكل أميركا والعالم في عهد ترامب للسنوات الأربع المقبلة، هنالك إشكاليّة نظرة ترامب وفريقه الملتبسة تجاه الصحافة. سُئل مرّة أوسكار وايلد عن نظرته إلى الرئيس والصحافة باعتبارهما يؤثران بشكل مباشر في حياة الأميركيين فقال “ببساطة شديدة إن الرئيس يمكث مع الأميركيين لأربع سنوات ثم يرحل، أما الصحافة فقد رسّخت وجودها ولا قوّة تزحزحها”. لكن هذه الصحافة الراسخة رسوخ الرواسي من وجهة نظر عبقري مثل أوسكار وايلد، ينظر إليها الفريق الجديد اليوم على أنها مصدر قلق وإزعاج وليس نقل الحقيقة والتفاعل مع الرأي العام. ها هي الصحافة “تحرّف الحقائق” في نظر الرئيس وفريقه في ما يخص عدد الذين حضروا حفل التنصيب، هل هم أكثر عددا من الذين حضروا حفل تنصيب الرئيس السابق أوباما أم هم أقلّ؟ وهل تخلّص الرئيس إلى غير رجعة من تمثال مارتن لوثر كينغ الذي يحتل زاوية في المكتب البيضاوي كما زعم مراسل صحيفة تايم؟ الآن جاء دور الصور الجوية للكشف عن العدد الحقيقي للذين حضروا حفل التنصيب ثم جيء بمكتب قطع تذاكر ميترو الأنفاق ليعلن كم تذكرة وقع قطعها عشية التنصيب، الكلّ عليه أن يثبت ذاته لا لشيء سوى إثبات أنها صحافة كارثية وإعلام لا يطاق من وجهة نظر الرئيس وفريقه. إنهم، الصحافيون، يحاولون نزع الشرعية عن الرئيس، هذا ما أعلنه البيت الأبيض بعد أقل من 48 ساعة من تسلّم الرئيس مهام عمله، وهو ما لم يحصل مع أي رئيس في تاريخ الولايات المتحدة. على الجهة الأخرى، تتصاعد نبرة الإعلام ومنظمات الدفاع عن الرأي العام والحقوق المدنية “نحن الشعب -وهي العبارة التي تفتتح الدستور الأميركي- نحن شعب غير قابل للتجزئة نحمي بعضنا البعض وندافع عن الكرامة، نحن أكبر من الخوف”. الشارع يردّ الضربة بقوّة إذا، أما الرئيس فيختصر نظرته إلى الصحافيين بعد زيارته لمقر المخابرات قائلا “إنهم من أكثر المخادعين على وجه الأرض!”. هو زمن الصحافيين المخادعين الذين يجب التصدي لهم في نظر ترامب. لو فعلها زعيم عربي أو رئيس دولة أفريقي لتهاطلت رسائل الاحتجاج على إدانة التدخل في حريّة التعبير وحرية الصحافة التي تكفلها الدساتير ويكفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فضلا عن دستور أميركا ذاتها، لكن الغريب أن هذه هي أميركا ومسؤوليها على أرفع المستويات يعلنون صراعا علنيا مع أجهزة الإعلام قاطبة والصحافة بشكل خاص، فإلى أين يسير قطار الرئيس المنتخَب وفريقه بالصحافة والإعلام وحرية الحصول على المعلومات وحرية الصحافة؟ كاتب عراقي مقيم في بروكسل طاهر علوان :: مقالات أخرى لـ طاهر علوان زمن الصحافيين المخادعين, 2017/01/31 سباق الموت 2050: أميركا تستمتع بدماء أبنائها, 2017/01/30 إعلام تلاحقه أشباح أبوغريب, 2017/01/24 آركاديا أحلام الخلود الافتراضي تتحطم فوق كوكب متخيل, 2017/01/23 إعلام تطارده الفيروسات والقراصنة, 2017/01/17 أرشيف الكاتب
مشاركة :