محنة الإعلام المصري ! | شريف قنديل

  • 4/12/2014
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

أكثر من 20 قناة فضائية و20 جريدة يومية و20 موقعًا إخباريًا رسميًا أو شبه رسمي.. ومع ذلك إذا أتيت مثلي من مصر إلى أي عاصمة عربية أو حتى أوروبية سألك الجميع بإلحاح يشبه الرجاء: ما هي أخبار الوضع في مصر؟! لماذا يسألك الناس المصريون منهم وغيرالمصريين من الأشقاء العرب؛ والأصدقاء الأجانب؛ عن أخبار الوضع في مصر رغم هذا الكم الهائل من القنوات والصحف والمجلات والمواقع؟! الاجابة السهلة البسيطة التي يتفق عليها القاصي والداني القريب والبعيد.. مناصر25 يناير ومؤيد 30 يونية.. رافض 25 يناير ومؤيد يونيو، رافض 30 يونيو ومؤيد 25 يناير، بل وفبراير ومارس وأبريل هي أن الإعلام المصري كان وما يزال سببًا رئيسًا فيما جرى ويجري في مصر سواء في عهد المجلس العسكري الأول أو الإخوان أو الفترة الحالية! ولأن ذلك كذلك، فإن مصدر المعلومة الصحيحة والكلمة الهادفة والنصيحة الطيبة المخلصة لم يعد هو الإعلام.. وبالتالي يصبح السؤال عن أحوال مصر قاسمًا مشتركًا على كل لسان! في ضوء ذلك، ولأنها باتت بديهية يتفق فيها وعليها من هم داخل السلطة ومن هم خارجها.. من هم في مصر ومن هم في الخارج، يصبح السؤال هو: لماذا سقط الإعلام المصري إلى هذا الحد الذي بات مثارًا للسخرية أحيانًا، وللشفقة أخرى، وللألم في كل الأحوال؟! الإجابة السهلة البسيطة تقول: إنه عدم التأهيل وعدم الفهم والفكر وتقدير الموقف! والإجابة العملية الدقيقة تقول: إنها المصالح الشخصية المحضة.. والخوف عليها والدفاع عنها، بل والحرب من أجلها، لا من أجل مصر هادئة ومستقرة.. وفي ذلك حدّث ولا حرج! في مصر الآن قنوات وصحف لا علاقة لها بوزارة الإعلام المصرية، ولا بمكان بثها وصدورها! وفي مصر الآن قنوات وصحف تزايد على الدولة بالمفهوم الكامل للمصطلح، وعلى رموز الدولة بالمفهوم الشامل للمصطلح، وإذا قُدِّر لك وفتحت قناة فضائية من هذه القنوات، فقد تجد من يسأل: أليس في مصر رجل واحد عاقل يفهم!! يقولها وهو يكاد «يفك الخط»، مُنظِّرًا وشارحًا نظريته في حماية الأمن القومي المصري!! وقد تجد من تتحدث عن الإسلام وعن الأنبياء والصحابة بل عن الذات الإلهية، وكأنها تتحدث عن أي شخص، تعالى الله عما يصفون، وعما يثرثرون ويسيئون! في مصر، ستجد قناة أو مذيعًا أو مذيعة تبكي على أطفال سوريا الذين يتّمهم وشرّدهم بشار الأسد، ومذيعة أخرى تحيي نضال الزعيم العربي بشار الأسد! ستجد من يُحذِّرون من الاقتراب من الولايات المتحدة الأمريكية، ومن يُحذِّرون من هيمنة روسيا! من يُطالبون بصداقة حميمة مع إيران، ومن يُحذِّرون من أطماعها التوسعية! ولقد كان من الممكن أن يفسر ذلك على أنها الحرية التي تتيح الترويج للرأي والرأي الآخر.. لولا أنها أمور لا علاقة لها بالرؤية السياسية أو الثقافية، وإنما بمصلحة رجل الأعمال صاحب هذه القناة أو تلك الجريدة! هذا على المستوى الخارجي، أما على المستوى الداخلي وهو «مربط الفرس»، فقد تحوّل المذيعون إلى فلاسفة ومفكرين يطرحون نظرياتهم الخاصة وهم لا يستطيعون القراءة! وإلى قضاة وضباط وهم يسيئون جهارًا نهارًا للقضاء والأمن!! لم يعد للإعلام في مصر أب شرعي يُوجِّه ويُعلِّم، وينصح ويُكافئ ويُعاقب، ولم يعد له أم تُربِّي وتحمي.. والنتيجة ما نراه كل يوم. لقد ساهم الإعلام المحسوب على المجلس العسكري بعد ثورة يناير في تشويه دوره وتأليب الناس عليه، فلما جاء الإخوان نجح إعلامهم -قبل إعلام غيرهم- في نقمة الناس وكرههم لهم، فما الذي تَغيَّر الآن؟! ستجدهم كما هم، وستجد برامجهم كما هي، وكأنها مهمة تاريخية خالدة في عدم استقرار مصر وخروجها من المأزق الخطير.. لقد تربَّى هذا النوع من الإعلام على الهدم، فلم يَعُد يمر أسبوع دون أن يُناشد المتحدث العسكري «تصور؟» أجهزة الإعلام تحرّي الدقة قبل نشر أي خبر! ودون أن يطالب المتحدث الأمني الرسمي أجهزة الإعلام بالحرص على عدم النشر دون دليل! ودون أن يأمر القضاء الرسمي أجهزة الإعلام بالتوقف من نشر ما يضر سير العدالة! ودون أن يُحذِّر الأزهر الرسمي أجهزة الإعلام من المساس بما هو معلوم من الدين بالضرورة. ويقينًا لو أنها الحرية والحرص على الحقيقة لما صدر في اليوم التالي تكذيب من الجيش، ونفى من الشرطة، وحكم القضاء، وفتوى من الأزهر! يحدث ذلك وهم في الصباح يُخاطبون الناس بضرورة احترام الجيش والشرطة والقضاء والأزهر.. وفي المساء يؤكد كل منهم بل ويسخر بعضهم من هذا المتحدث الهائم وذاك النائم، بلا تحفظ ولا هوادة في الإساءة لأي مؤسسة! سألني دبلوماسي مصري رفيع: هل هذا هو نتاج إعلامنا الآن؟! قلت: أبدًا! في كل قناة وصحيفة ومجلة عشرات بل مئات من المعدّين المخلصين الرائعين، ومئات من المحررين الأروع.. بل هم الأغلبية في كل منبر إعلامي.. لكنهم.. ولكنه.. ولكنها في «غفلة» أو في «وعي» أو في «زحمة» أو في «أزمة»، وجدنا هؤلاء يظهرون ويفرضون أنفسهم على الجميع.. هذا يُوبِّخ شعبه، وهذه تسخر من أُمّتها، وذاك «يشخط» في أوباما قائلًا: «إنت مش قدِّي»!! رأينا وما زلنا نرى كل يوم وليلة شتّامين بامتياز، وفتّانين بامتياز، وناقمين حاقدين بامتياز، رغم أنهم الآن هم أثرى خلق الله في مصر.. ولله في خلقه شؤون! رأينا وما زلنا نرى من يتعاملون مع قادة الدولة ورموزها كأطفال «تصور»! هذا ينصحه بصلافة، وذاك يُوبّخه بجلافة.. وتلك تتحدث عن مصر باعتبارها شقّة ورثتها عن السيدة الوالدة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. sherif.kandil@al-madina.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (41) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain

مشاركة :