خلال الحملة الانتخابية، التي قادت رجل الأعمال وقطب العقارات دونالد ترامب، إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، تنبأ الكثيرون بأن «الأضحوكة»، الذي اختاره الأمريكيون لإدارة شؤون بلادهم، سيعجل من انتزاع هيمنة الولايات المتحدة على العالم، بسبب تعمد ترامب خلال حملته الانتخابية، إسقاط الكثير من المبادئ والقيم التي قامت عليها الحرية الأمريكية المزعومة. ويقول محللون سياسيون، إن أمريكا في طريقها إلى الزوال لا محالة، فرئيس الولايات المتحدة الأمريكية، اكتسب عداء كثير من الدول، مثل الصين، قبل تنصيبه، بالإضافة إلى أنه اكتسب العداء من المجتمع الدولي بعد قراره الأخير بمنع مواطني 7 دول، غالبية سكانها من المسلمين، من دخول الولايات المتحدة لمدة 3 أشهر، بحجة محاربة الإرهاب. ومنذ تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة، شهد العديد من الولايات الأمريكية تظاهرات ضد دونالد ترامب، على خلفية تصريحاته المثيرة للجدل، والتي كانت مهينة أحياناً لبعض شرائح المجتمع الأمريكي، خاصة المسلمين، ومنذ مطلع الأسبوع تظاهر آلاف المحتجين في أستراليا ونيوزيلندا وبريطانيا، ضمن مئات المسيرات التي خرجت في الولايات المتحدة وأوروبا وشتى أنحاء العالم، لإظهار عدم الموافقة على الرئيس الأمريكي. ويركز المتظاهرون ضد ترامب، انتقادهم على تعليقات سابقة من ترامب لمن وصفهم بالمجرمين من المكسيكيين والمهاجرين من دول أمريكا اللاتينية، وقراره بحظر سفر مواطني بعض الدول إلى الولايات المتحدة، إلى جانب تصريحاته بقرب نقل السفارة الأمريكية لدى إسرائيل من تل أبيب إلى مدينة القدس المحتلة، ويقول المتظاهرون، إن أمريكا لا تقبل بمن سموهم «الفاشيين والعنصريين». وعلى الرغم من المحاولات التي يقوم بها ترامب لتوضيح أن القرارات التي اتخذها لا تطال المسلمين بشكل خاص، إلا أن شركات تقنية كبيرة في وقت سابق عبرت عن رفضها التعاون مع ترامب بخصوص تكوين قاعدة بيانات للمسلمين، من بينها «جوجل» و«فيسبوك» و«أبل»، بالإضافة إلى «مايكروسوفت»، التي أكد المتحدث باسمها، أن الشركة تعارض التمييز ولا يمكنها القيام بعمل يهدف إلى بناء قاعدة بيانات للمسلمين الأمريكيين. وفي خضم تلك المعارك، أعلنت السفارة الأمريكية في تل أبيب، أن الإسرائيليين اليهود المولودين في الدول السبع التي يشملها حظر السفر الذي أمر به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مستثنون من هذا الحظر، ويوم الجمعة وقع ترامب أمرا تنفيذيا يحظر على مواطني 7 دول غالبية سكانها من المسلمين من الشرق الأوسط وإفريقيا، من دخول الأراضي الأمريكية لمدة 90 يوماً. وفي بريطانيا، خرج الآلاف إلى الشوارع احتجاجا على قرار ترامب، كما يعقد البرلمان البريطاني جلسة في 20 فبراير/ شباط، لمناقشة الزيارة التي سيقوم بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لبريطانيا، بعدما وقع 1.6 مليون شخص، عريضة تطالب بخفض مستوى زيارته إلى «زيارة رسمية». وجاء في العريضة، «يجب السماح بدخول دونالد ترامب، إلى المملكة المتحدة بوصفه رئيساً للإدارة الأمريكية، ولكن يجب عدم دعوته للقيام بزيارة رسمية، لأن ذلك سيتسبب بالحرج لجلالة الملكة»، وتستقبل الملكة إليزابيث الثانية، الزوار الذين يقومون بزيارة بريطانيا، بوصفها رأس الدولة، وتعتبر هذه الزيارات التعبير الأعلى عن العلاقات الودية بين البلدين. التحول في السياسة الأمريكية أشارت صحيفة «دي تسايت» الألمانية، إلى أن الولايات المتحدة قد تحولت في عهد جورج دبليو بوش، إلى بلد الغطرسة المثيرة للجدل، وفرض العضلات على دول العالم، وإدراكا للضرر الذي فعله بوش، كبح الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، جماح الخطاب الأمريكي، فأظهر تواضعه مع الجميع، بينما يرى الكثيرون تولي أوباما، أو «رجل أسود»، رئاسة أمريكا، رسالة قوية بأن أمريكا وأوروبا أنهت عصر العنصرية، والخلاص من الذنب التاريخي من الاستعمار والعبودية. وأكدت الصحيفة، أن عصر الهيمنة الأمريكية على العالم قد انتهى، ولا يرتبط بشخصية ترامب، المثيرة للسخرية فحسب، بل أيضاً بأهدافه التي تعكس غروره ونزعته القومية السطحية. وفي سياق آخر، عقبت الصحيفة، أنه رغم تولي ترامب الرئاسة، إلا أن أمريكا لا يمكن أن تنتهي كقوة عالمية، ليس بسبب ترامب، بل لهيمنة الولايات المتحدة عسكريا بفضل قوة الجيش الأمريكي، بالإضافة إلى هيمنتها المالية عن طريق بورصة «وول ستريت»، التي تعتبر المركز المالي العالمي، إلى جانب أهمية الدور الذي يلعبه البنك الاحتياطي الفيدرالي في رسم الخطوط العريضة للسياسة الاقتصادية العالمية. وكان ترامب قد أدى في 20 يناير/ كانون الثاني الجاري، اليمين الدستورية رئيسا للولايات المتحدة خلفاً لباراك أوباما، في حفل أقيم في الساحة المقابلة للكونجرس، وتعهد في خطاب التنصيب باتباع سياسة «أمريكا أولاً»، واقتلاع ما وصفه بـ«التطرف الإسلامي»، ملمحاً إلى نيته العمل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما وعد بتغيير الأوضاع في أمريكا. استعادة أمريكا القوية تشير التحليلات إلى أن دونالد ترامب، لم يأت إلى سدة الرئاسة الأمريكية مدعوماً بأصوات الأمريكيين المهاجرين والملونين والمجموعات الثانوية، بل بأصوات «البيض»، الخطاب الشعبوي لترامب، لم يحاول كسب ود مجتمعات المهاجرين الأمريكيين، لا بل استعداها ورفض تقديم تنازلات انتخابية بها، فنال دعم «البيض» بكثافة. ووراء كل القول المتهافت عن «غباء الرجل الأبيض» الأمريكي، وخياره «المتعصب» و«الفاشي»، ثمة حقيقة لا تقبل الجدل، ترامب هو تعبير عن خوف «البيض»، فالمهاجرون والملونون والمختلفون إثنياً وثقافياً ودينياً وجنسياً، مثلوا جماعات ثانوية ضمن المجتمع الأمريكي، قدمت لهم المجموعة المهيمنة الكثير لكسب أصواتهم. والديمقراطيون حاولوا أن يجلبوا امرأة كرئيس، بعدما شغل رئيس ملون البيت الأبيض لثمانية أعوام. المحاولة لم تنفع هذه المرة، فالمجتمع الأبيض، بات يشعر بالتهديد المباشر لـ«دولة رفاه» الخمسينيات والستينيات، التي يعيدون تخيلها بحسرة. ترامب وخطابه عن «استعادة أمريكا القوية»، هو مؤشر على استعادة هيمنة «البيض» على الدولة الأمريكية، بعدما دخلتها المجموعات الثانوية بقوة. هو رفض لدور المهاجرين، مهما قيل عن أن أمريكا من دونهم هي غير أمريكا التي نعرفها. ويشير المحللون إلى أن أمريكا القوية «البيضاء»، ليست مجرد خطاب انتخابي، بل إعادة توزيع للأدوار، بعدما وجد مجتمع البيض أنه بات مجموعة ثانوية، تضاف إلى مكونات المجتمع الأمريكي، خطوة قد تعتبر انتكاسة لمفهوم الديمقراطية، لكنها ليست بعيدة عن مفهوم الدولة بحد ذاته، وصراع المجموعات المسيطرة للهيمنة عن المجتمع السياسي والمجتمع المدني. عراف واشنطن يتنبأ بعزل ترامب توقع عدد قليل من المتنبئين انتصار دونالد ترامب، وأظهرت استطلاعات الرأي تقدم هيلاري كلينتون، وفشل جزء كبير من الولايات المتحدة ووسائل الإعلام، في توقع موجة الدعم المؤيدة لترامب، التي أوصلته لهذا الفوز، ولكن بروفيسور يقطن في العاصمة واشنطن، أصر على أن ترامب سيحقق الفوز، استنادا إلى فكرة أن الانتخابات هي في المقام الأول انعكاس على أداء الحزب في السلطة. ويستخدم البروفيسور آلان ليشتمان، نظام تنبؤ يستند إلى التاريخ يسميه «المفاتيح»، للتنبؤ بنتائج الانتخابات مبكرا، وفي حوار مع صحيفة «واشنطن بوست» نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، تنبأ بفوز ترامب بالرئاسة، وتنبأ بأنه سيتم عزله من منصبه على يد الكونجرس ذي الأغلبية الجمهورية، التي تفضل نائب الرئيس مايك بنس، وهو شخص تعرفه مؤسسة الجمهوريين وتثق به. وقال ليشتمان، «سأقدم تنبؤا آخر لا يقوم على هذا النظام، إنه حدسي فقط، إنهم لا يريدون ترامب رئيسا، لأنهم لا يستطيعون السيطرة عليه، لا يمكن التنبؤ بأفعاله، لقد كانوا يحبون أن يكون مايك بنس، هو الرئيس، لأنه متوافق معهم على طول الخط، وهو جمهوري محافظ يمكن السيطرة عليه، وفي حالة ترامب، فإن الأسباب ستكون متوفرة من أجل عزله، سواء بسبب قيامه بشيء يهدد الأمن القومي أو قيامه بتنفيذ أجندة لمصلحته الخاصة».
مشاركة :