على الرغم من القرارات والمراسيم المتعلقة بدخول الولايات المتحدة التي اتخذتها إدارة الرئيس دونالد ترامب بحق عدد من الدول العربية والإسلامية وبحق اللاجئين السوريين، إلا أن ذلك لا يعني أن هذه الإدارة ستشيح بنظرها أو تتعامل بلا مبالاة وعدم اكتراث مع القضية السورية كما كانت عليه سياسة إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، التي لم تنخرط بقوة وكما يليق بالولايات المتحدة كأهم دولة ديموقراطية في العالم وكدولة عظمى لها مصالح كبيرة في الشرق الأوسط. ربما على العكس تماما من الإدارة السابقة، فإن الإدارة الجديدة، وهي إدارة جمهورية، قد تسعى لإيجاد أو فرض حل ما للقضية السورية، وقد عكست التقارير التي تحدثت عن مسودة أمر تنفيذي ينص على إنشاء مناطق آمنة للاجئين السوريين في داخل سورية وبعض دول الجوار، عكست انخراطاً مبكراً لهذه الإدارة في المسألة السورية. انخراط إذا أصر الرئيس ترامب على الاستمرار به، فقد يغير الكثير من الأمور في المنطقة، وقد يساهم في إيجاد حل سياسي ما لهذه الأزمة المستمرة منذ نحو ست سنوات. إن ما يساعد في إيجاد حل، هو الانطباعات المتشكلة عن إمكانية وجود تنسيق أميركي - روسي عالي المستوى بسبب «الارتياح» المتبادل الذي عبرت عنه روسيا إزاء انتخاب ترامب، واستعداد ترامب نفسه لبناء علاقات جيدة مع موسكو رغم معارضة الكثير من المحافظين والجمهوريين في مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين لمثل هذا التقارب. أيضا عبّرت بعض الدول الإقليمية المنخرطة في النزاع السوري، عن ترحيب مماثل بوصول ترامب إلى البيت الأبيض، لعلّ أبرزها تركيا والسعودية، هذا يسهّل على الإدارة الجديدة، إذا كانت حقا تريد أن تجد حلاً للنزاع السوري، يسهّل عليها إيجاد مثل هذا الحل. إن الدولة الوحيدة المنخرطة في النزاع السوري، التي تتعامل مع حذر وخشية من الإدارة الجديدة هي إيران. فمنذ الحملة الانتخابية في الولايات المتحدة وحتى وقت لاحق، أطلق ترامب مواقف متشددة إزاء إيران وإزاء الاتفاق النووي الذي وقعته الولايات المتحدة والدول الكبرى مع طهران. هذا أثار ريبة الإيرانيين ومخاوف عميقة من أن ينعكس هذا «التشدد» الأميركي الذي رافق وصول ترامب إلى البيت الأبيض، على ملفات إقليمية تشهد تورطاً إيرانياً كبيراً مثل النزاع في سورية والحرب في اليمن، إضافة إلى تواجدها وانخراطها في أزمات ودول أخرى، مثل لبنان والبحرين. لكن الخشية والحذر الإيرانيين من الإدارة الجديدة، وإذا ما تزامنا مع تقارب أميركي وروسي في الأزمة السورية، فلن يكون لهما أدنى تأثير ولن يشكلا أي عامل إعاقة، كما عهد الإدارة السابقة مع أوباما حين كانت طهران تستطيع أن تهدد بإفشال الاتفاق النووي مستندة إلى ثقلها وانخراطها العسكري في سورية واليمن. الإيرانيون مع تقارب وتنسيق روسي - أميركي - تركي - سعودي، سيكونون الخاسرين المحتملين، وربما يتم إخراجهم تماما من دون السماح لهم بإعاقة أي حل قد يتم التوصل إليه بخصوص سورية. قد يعتقد البعض أن ايران قوة كبيرة في سورية، لكن الحقيقة ان الإيرانيين يدركون تماما انهم لا يمكنهم فعل شيء في سورية او فرض واقع ما، من دون ضعف أميركي متزامن مع دعم روسي. وبكل تأكيد، فإن مصالح روسيا وحساباتها الخاصة مع الولايات المتحدة سيكون لها أولوية وأفضلية فيما لو عبر الإيرانيون عن معارضة ما لمثل هذا الحل. نقطة أخيرة لا بد من الإشارة إليها... العلويون في سورية يشعرون بالثقة أكثر ويرتاحون لحضور روسيا في النزاع أكثر من حضور ايران في سورية رغم كل ما يشاع عن تقارب مذهبي مع إيران. العلويون في سورية لا يميلون كثيرا لإيران «الإسلامية» وأجندتها وحروبها الطائفية في المنطقة. النظام أعطى كل هذا الحضور وكل الامتيازات الثقافية الاقتصادية والعسكرية لإيران مقابل أن تحافظ على وجوده وتساعده في عدم الانهيار. أما الكلمة النهائية، فهي لموسكو وواشنطن... النظام ومن يؤيده اليوم يدركون ذلك جيداً.
مشاركة :