عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي تشكل محطة أساسية لإعادة تقييم أداء هذا التجمع، ومراجعة المكاسب والخسائر، ومواجهة الأسئلة الراهنة بجرأة عالية متناسبة مع ثقل التحديات التي باتت مطروحة في الساحة الأفريقية. العربإدريس الكنبوري [نُشرفي2017/02/01، العدد: 10530، ص(8)] لم تحظ قمة أفريقية بمثل الاهتمام الذي حظيت به القمة الثامنة والعشرون التي عقدت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. فمنذ قرابة العقدين، بعد أن غيّرت منظمة الوحدة الأفريقية اسمها إلى الاتحاد الأفريقي عام 2002 تقليدا للاتحاد الأوروبي، والمنظمة التي كانت حلم الأفارقة في ستينات القرن الماضي تدور في دائرة مفرغة نتيجة الخلافات الداخلية بين البلدان الأعضاء، وعدم كفاءة المؤسسات واللجان المنبثقة عنها، وعجزها عن التأثير في مجريات الأوضاع التي تشهدها القارة، والبتّ في الصراعات والحروب والانقلابات العسكرية والتعاطي مع الحركات الانفصالية المسلحة؛ والأمر الوحيد الذي كان يعمل بطريقة عادية وسليمة هو انتخاب الهياكل والمؤسسات، لكن الأدوار المناطة بها بقيت غائبة، وهو ما أدى إلى تراجع الاهتمام بالاتحاد الأفريقي الذي بات يشبه القوقعة الفارغة، وبالقمم والقرارات التي تصدر عنه، والتي لا توليها حتى بعض البلدان الأعضاء أي اهتمام. بيد أن القمة الأخيرة نالت اهتماما واسعا سبق انعقادها بعدة أشهر، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ القمم الأفريقية. إذ لأول مرة منذ إنشائه سيواجه الاتحاد مسألة فريدة من نوعها تتعلق بطلب من بلد مؤسس انسحب من هذا التجمع الأفريقي ويريد العودة إليه. فمنذ شهر يوليو من العام الماضي، حين تقدم المغرب رسميا بهذا الطلب، دخلت مؤسسات الاتحاد في حالة من التجاذب، جعلت مختلف الأنظار متجهة إلى قمة الحسم. وبعودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي، بعدما تمت الموافقة على طلبه بأغلبية تفوق العدد المطلوب، يكون فصلا جديدا في تاريخ هذا الاتحاد قد بدأ. ذلك أن المغرب ليس بلدا صغيرا في القارة الأفريقية، وهو بلد لعب أدوارا طلائعية على الصعيد الأفريقي منذ الحقبة الاستعمارية، وفي إطار سياسة تصفية الاستعمار، وكان على رأس البلدان التي عملت على إنشاء اتحاد لبلدان القارة بعدما كان مجرد فكرة راودت الآباء المؤسسين في العام 1963، ورغم انسحابه من الاتحاد فإن حضوره الدبلوماسي ظل مستمرا في عدد كبير من البلدان الأفريقية، كما بقي إشعاعه الديني والثقافي قويا، خصوصا في البلدان التي لديه معها علاقات متجذرة. ومنذ تولي الملك محمد السادس الحكم في العام 1999 جرت مياه كثيرة في جسور العلاقات المغربية - الأفريقية، إذ طبع المغرب علاقاته مع عدد كبير من البلدان في شرق أفريقيا وغربها، وما قام به المغرب تجاه القارة خلال السنوات العشر الماضية، يفوق بكثير ما كان يمكن أن يقوم به خلال العقود الثلاثة من غيابه عن الساحة الأفريقية. مشكلة الاتحاد الأفريقي تتجاوز اليوم عودة المغرب، وترتبط بمدى قدرة الاتحاد على تفعيل بنود ميثاقه الداخلي في القضايا التي تهم الأمن والدفاع والسلم والاستقرار، وحل النزاعات البينية والحفاظ على وحدة وسيادة البلدان الأعضاء كل تلك المعطيات جعلت من عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي واقعا فعليا، حتى قبل أن تصادق القمة على الطلب الرسمي الذي تقدم به. وتشكل عودة المغرب إلى الاتحاد محطة أساسية لإعادة تقييم أداء هذا التجمع، ومراجعة المكاسب والخسائر، ومواجهة الأسئلة الراهنة بجرأة عالية متناسبة مع ثقل التحديات التي باتت مطروحة في الساحة الأفريقية. ومن جملة القضايا التي يتعيّن الخوض فيها مسألة ما إذا كان يجوز القبول بأي حركة مسلحة تعلن الانفصال عن دولة عضو كاملة العضوية داخل الاتحاد، وما إذا كان القبول بما يسمّى “الجمهورية الصحراوية” عام 1982 استثناء لا يقبل القاعدة، وعلى أي أساس يُعمل بالاستثناء؟ يعد القبول بجبهة البوليساريو عضوا في الاتحاد بمثابة “الخطيئة الأصلية” التي لا تزال تلاحقه إلى اليوم، والتي لا تجد أي مبرر منطقي أو سياسي يسوغها. فالأمر أولا وأخيرا يتعلق بحركة انفصالية تسعى إلى شق سيادة دولة كاملة السيادة، وإذا كان هذا الأمر منطقيا، فإن المنطق يستوجب الاعتراف بحركات انفصالية أخرى في القارة، وما أكثرها في المسرح الأفريقي الذي يعيش صراعا محموما من أجل تفكيك الدول القائمة. وما يسمّى بالجمهورية الصحراوية لا يزال قادتها إلى اليوم لا يتوفرون على شرائط السيادة المعمول بها في القانون الدولي، بل إن قادتها أنفسهم يتنقّلون بجوازات سفر جزائرية، ويعيشون فوق أرض جزائرية. وعلاوة على ذلك فإن القضية مطروحة أمام أنظار الأمم المتحدة منذ بداية التسعينات من القرن الماضي، وهي ليست شبيهة بوضع جنوب السودان الذي أقيم به استفتاء عام 2011 تحت رعاية الأمم المتحدة ووافق السودان ـ كطرف معني ـ على نتائجه، ليقبل به الاتحاد الأفريقي عضوا فيه. لقد نشأ هذا الوضع الغريب والاستثنائي عن واقع الحرب الباردة، والتقاطب الثنائي بين المغرب والجزائر، حيث وظفت فيه هذه الأخيرة الأدوات التي كانت مستعملة في تلك الظروف، بمعية النظام الليبي الأسبق، والاستمرار في تأبيد حالة الاستثناء تلك لم يعد ممكنا، خصوصا وقد تبيّن للبلدان الأفريقية، أن النزعات الانفصالية هي المعول الذي يعمل في جسم عدد منها، والتي أصبحت، اليوم، عنوانا للتحركات التي تقودها الجماعات الإرهابية التي تجعل أولى دعواتها رفع السلاح ضد الدولة المركزية. ولذلك فإن مشكلة الاتحاد الأفريقي تتجاوز اليوم عودة المغرب، بل ترتبط بمدى قدرة الاتحاد على تفعيل بنود ميثاقه الداخلي في القضايا التي تهم الأمن والدفاع والسلم والاستقرار، وحل النزاعات البينية، والحفاظ على وحدة وسيادة البلدان الأعضاء. كاتب مغربي إدريس الكنبوري :: مقالات أخرى لـ إدريس الكنبوري أبعد من عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي, 2017/02/01 الصداع الجهادي المزمن في إسبانيا: الهجرة والجيل الأول من المتشددين, 2017/01/25 فرنسا والمهمة الصعبة في مالي, 2017/01/18 الحرية أسيرة تعريفات الكفر والإيمان لدى التيار الجهادي, 2017/01/16 المغرب.. خطوة أخيرة نحو الاتحاد الأفريقي, 2017/01/13 أرشيف الكاتب
مشاركة :