دخلت مارين لوبن، زعيمة حزب «الجبهة الوطنية» اليميني المتطرف في فرنسا، على خط الفضائح المالية، ومن الباب العريض. وقبلها كان الشغل الشاغل للإعلام والرأي العام في فرنسا هو الفضيحة الكبيرة التي تعصف الآن بحملة أبرز المرشحين للرئاسة، فرانسوا فيون، مرشح حزب «الجهوريين» اليميني التقليدي، الذي كان يعتبر طريقه إلى قصر الإليزيه سالكاً تقريباً، نظراً لتردي شعبية الحزب الاشتراكي الحاكم، إلى حد دفع الرئيس فرانسوا هولاند لعدم الترشح في سابقة لم يقع مثلها لرئيس في المنصب طيلة عقود الجهورية الخامسة. وها هي لوبن، التي ظلت المستفيد الأبرز من تراجع شعبية فيون، تتجرع هي أيضاً طعم الفضيحة المالية المر، وتتلقى ضربة من تحت الحزام، ومن موقع شبهة فساد مرتبطة بعلاقاتها الشخصية والأسرية أيضاً كفيون. وإن الفرق أن منشأ فضيحة فيون، التي فجرتها صحيفة «لوكنار آنشينيه» الفضائحية الساخرة، أن زوجته بينلوب قد تقاضت طيلة 12 سنة مرتبات من الخزينة العامة الفرنسية قدرت ابتداءً بـ500 ألف يورو، لينكشف اليوم أن المبلغ أكبر من ذلك بكثير، ويصل إلى 900 ألف يورو. وكل ذلك تعويضاً لها عن وظيفة وهمية، هي زعم كونها مساعدة لزوجها عندما كان برلمانياً، ثم وزيراً، ثم رئيس وزراء في عهد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي. ومع تفجر الفضيحة فتحت محكمة الحسابات الفرنسية تحقيقاً رسمياً في هذه الاتهامات، طلب فيون الاستماع إليه في أطوار هذا التحقيق لـ«جلاء الحقيقة» وكشف زيف هذه المكيدة! ومنذ لحظة نشر «لوكانار آنشينيه» مزاعمها ضد بينلوب فيون انهارت أسهم زوجها في سوق التأييد والشعبية، في صفوف الفرنسيين، وينتظر أن ينعكس ذلك بشكل دراماتيكي على فرصه في استطلاعات الرأي العام القريبة، وإن كان ما زال متمسكاً بقوة بترشيحه، ومستمراً في حملته، مراهناً في كل ذلك على إمكانية دحض الاتهامات! وقد مثل صدور هذه الاتهامات ضربة ساحقة لفيون، لأنه هو نفسه من ركز في حملة الانتخابات التمهيدية على مستوى اليمين التقليدي على الترويج لفكرة وجوب أن يكون كل مترشح للرئاسة الفرنسية «فوق الشبهات»، وكان بذلك يغمز بطرف خفي، في منافسه في التمهيديات ورئيسه السابق ساركوزي، الذي اضطر في النهاية لرفع الراية البيضاء والخروج من السباق. أما مارين لوبن فقد تفجرت فضيحتها المالية المزعومة على المستوى الأوروبي، حيث طالبها البرلمان الأوروبي منذ أسابيع بإعادة مبلغ 298392 يورو، صرفها البرلمان كمرتبات لمدة ست سنوات لـ«كاترين غريزيه»، صديقة ومديرة مكتب لوبن، وذلك باعتبارها مساعدة برلمانية لها، معتمدة رسمياً عند الاتحاد الأوروبي في بروكسل. غير هذه «المساعدة»، التي هي في الحقيقة أخت زوج لوبن السابق، كانت تتلقى هذه المرتبات دون ممارسة عمل فعلي في البرلمان لحساب النائبة لوبن. وقد حدد البرلمان الأوروبي آخر موعد لإعادة هذا المبلغ إلى خزينته بحلول مساء يوم أمس الثلاثاء 31-1-2017 قبل أن يلجأ لاقتطاع المبلغ من التعويضات الشهرية الخاصة بالنائبة لوبن، وهو موعد تجاهلته زعيمة «الجبهة الوطنية»، وبدلاً من قبول إعادة المبالغ المالية، رفعت قفاز التحدي رافضة الاستجابة لطلب برلمان ستراسبورغ، بل إنها سعت لتحويل فضيحتها إلى فرصة للتعريض بفضيحة منافسها فيون قائلة بالحرف الواحد: «أنا لا أُدعى فيون»! مستطردة: «لن أعيد شيئاً لقاء هذه المطالبة، وهذا القرار الأحادي، الذي اتخذه منافسون سياسيون، في سياق مخالف لروح دولة القانون، وحق الدفاع، ودون أية أدلة، ودون انتظار الكلمة النهائية التي ستقولها العدالة في الأمر وقد لجأت إليها». وفي المجمل يتوقع أن تكون الفضائح المالية والشخصية المجلجلة هي العنوان الأبرز في حملة الانتخابات الرئاسية الفرنسية لهذا العام، التي ستبلغ الذروة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، وهذا تقليد تاريخي راسخ في كل الحملات الانتخابية الفرنسية، حيث تروح الصحافة، والقوى السياسية، تنبش في ماضي كل مرشح منافس، لمواجهته بأي اتهام أو فضيحة ممكنة، ولكشف لحظات ضعفه طيلة مسيرته المهنية والشخصية. وفي الذاكرة مثلاً نصيحة وزير الداخلية «روجيه فراي» للجنرال ديغول سنة 1965 بتوجيه ضربة من تحت الحزام لمنافسه الرئيسي حينها فرانسوا ميتران، وذلك من خلال نشر صورة لميتران وهو يحمل فأساً ويشد بقوة على يد الماريشال بيتان -رئيس حكومة فيشي المتعاونة مع الاحتلال النازي- في سنة 1942، وقد قال الوزير يومها لديغول: «لماذا لا تسمح بخروج بعض الحقائق المهمة المخفية؟»! فرد عليه ديغول: «لا، أنا لا أمارس الأساليب القذرة في السياسة». ولكن ديغول، كان وحيداً في هذا المبدأ، إذ لم تخلُ حملة رئاسية فرنسية منذ ذلك التاريخ وحتى الآن من تفجير فضائح وتوجيه ضربات من تحت الحزام إلى المرشحين، ومن ذلك مثلاً قضية «ماركوفيك» التي فجرت ضد جورج بومبيدو قبيل انتخابات 1969، وقضية الضرائب ضد شابان- ديلماس سنة 1974، وألماس الإمبراطور بوكاسا ضد جيسكار ديستان مع اقتراب انتخابات 1981، وثروة أدوارد بالادور في 1995، والانتماء الشيوعي التروتسكي لليونيل جوسبان قبل انتخابات 2002، وقضية «كليرستريم» ضد ساركوزي سنة 2007، وهكذا لم يخلُ استحقاق رئاسي فرنسي من تفجير فضيحة حقيقية أو مزعومة ضد مرشح ما من اليمين أو اليسار، على حد سواء. المصدر: لوموند
مشاركة :