الذكاء الاصطناعي الذي يتعلم عاداتنا ويكشف عن عمليات الغش

  • 2/1/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الذكاء الاصطناعي أصبح بإمكانه أن يكتشفها أفضل من البشر. إذ يرصد الذكاء الاصطناعي أنماط السلوكيات التي يتعذر على البشر ملاحظتها، كما يمكنه التدخل لإيقاف النشاط المثير للريبة قبل أن يخرج عن السيطرة. قد يجد ممارسو لعبة "الهجوم المضاد" (كاونتر سترايك) عبر الانترنت، صعوبة في توقع المخاطر الوشيكة في الأوقات الحاسمة من اللعبة. إلا أن هذه اللعبة، التي تعتمد على بطل يحمل سلاحا ويواجه أعداءه، لا تخلو من لاعبين ذوي مهارة فائقة في الاستجابة أو أكثر تيقظا من غيرهم. لكن في السنوات القليلة الماضية، عندما بلغت شعبية هذه اللعبة ذروتها، لوحظ أن بعض اللاعبين أظهروا مهارات استثنائية في القتال أثارت شكوكا لدى البعض. وفي بعض الألعاب، مثل "كاونتر سترايك" و"هاف لايف"، وهي لعبة شهيرة عبر الانترنت تعتمد أيضا على بطل يحمل سلاحا، يستعين الكثير من اللاعبين بتقنيات تستغل شفرات خفية في لعبة الفيديو من أجل تحسين دقة التصويب أو لتمكين اللاعب من الرؤية عبر الجدران. وفي عام 2006، عندما جُمعت مراهنات في إطار مسابقة عبر الانترنت في مقابل جوائز مالية، استعان المنظمون بحكمين ذوي موهبة استثنائية، هما ديفيد إكسيل وبيل فيتزجيرالد، العالمان الرياضيان. ولم يكن قد مضى وقت طويل آنذاك على تدشين شركتهما "فيتشرسبيس" للذكاء الاصطناعي، التي خرجت من رحم معملهما في جامعة كامبردج. وتكمن فعالية البرنامج الذي طورته الشركة في قدرته على الكشف ببراعة عن أي سلوك مخالف لما هو معهود. وطورت شركة "فيتشرسبيس" نظام ذكاء اصطناعي يمكنه رصد أي تغييرات غير متوقعة في البيانات فور حدوثها، ثم يستعين بالمعلومات المسجلة لديه من التجارب السابقة ليخمن السبب المحتمل لحدوث هذه التغييرات. وفي أغلب الأحيان، يكون السبب هو قيام بعض الناس بأعمال لا يجوز لهم القيام بها. وقد اختُبر نظام الذكاء الاصطناعي للمرة الأولى عندما كشف غش اللاعبين في ألعاب الفيديو. ويقول إكسيل: "لقد طورنا نظاما يضمن لشركات الألعاب أن من يمارس الألعاب أشخاص حقيقيون وليس أجهزة روبوت." ولم يقتصر نظام الذكاء الاصطناعي الذي طورته "فيتشرسبيس" على ألعاب الفيديو، بل امتد إلى مراقبة الكثير من أنشطتنا عبر الانترنت. وقد أصبح النظام رقيبا صامتا على الخدمات المصرفية عبر الإنترنت، والتجارة الإلكترونية وخدمات التأمين. ويغير هذا النظام من الطرق المتبعة في كشف عمليات الغش والبرمجيات الخبيثة عبر الإنترنت، كما يساعد في الكشف عن مدمني المقامرة. إلا أن رصد التغييرات غير المألوفة في البيانات فور حدوثها ليس أمرا جديدا، إذ تستبعد على سبيل المثال مرشحات البريد الإلكتروني الرسائل غير المرغوب فيها، وتلتقط برامج مكافحة الفيروسات الشفرات الخبيثة. ولكي يميز النظام البريد غير المرغوب فيه أو الشفرات الخبيثة يجب أن يعرف تحديدا ما يبحث عنه. ولهذا يجب تحديث برامج مكافحة الفيروسات بكل الشفرات التي تميز كل برنامج خبيث طُور حديثا عن غيره، وكذلك الرموز المختصرة لهذه الشفرات. ولكن رغم ذلك، كل هذه التقنيات لا تساعدك في اكتشاف الأنشطة التي كان يتعذر ملاحظتها من قبل. ومن ثم، طور كل من إكسيل وفيتزجيرالد نظاما يمكنه الكشف عن أي سلوك مخالف لما هو معهود، كما يمكنه التعلم من التجارب التي يمر بها. مصدر الصورة Getty Images Image caption طورت شركة "فيتشرسبيس" نظام ذكاء اصطناعي يمكنه رصد أي تغييرات غير متوقعة في البيانات فور حدوثها وقد أطلق إكسيل وفيتزجيرالد على نظام الذكاء الاصطناعي الذي ابتكراه اسم النظام القابل للتعلم للكشف عن التغييرات فور حدوثها، والذي يشار إليه اختصارا باسم "أريك". واستوحيا الفكرة من أعمال توماس بايز، عالم الرياضيات والقسّ الذي عاش في القرن الثامن عشر. طور توماس بايز طريقة ذاتية لفهم الاحتمالية، تُقدر بموجبها احتمالات حدوث شيء ما وفقا لحالات لوحظ أنها حدثت من قبل. وبالاستعانة بطريقة بايز في الاستدلال، استطاع ألان تيورنغ، عالم الرياضيات البريطاني، وغيره من خبراء فك الشفرات بمركز بلتشلي بارك البريطاني إبان الحرب العالمية الثانية، أن يستنتجوا مكان الغواصات النازية استنادا إلى نشاط النازيين سابقا في البحار. ويمكن أيضا استخدام نظرية بايز للكشف عن احتمال وقوع الغش في لعبة "كاونتر سترايك". وبمراقبة كل إطار للبيانات في اللعبة على حدة، يرسل نظام "أريك" رسالة تحذيرية عندما يرصد تحسنا غير معتاد في دقة تصويب بعض اللاعبين. ويقول إكسيل، إنه كان من الواضح أن هؤلاء اللاعبين قاموا بتنزيل تطبيقات عبر الإنترنت لتقوم بالتصويب بدلا منهم. كما لاحظ نظام "أريك" أن بعض اللاعبين كانوا أكثر سرعة مما هو معتاد عند الهجوم على خصومهم، ما يدل على أنهم يلجأون إلى الغش باستغلال خصائص خفية في اللعبة تجعل الجدران تبدو شفافة. كما استخدمت شركة "فيتشرسبيس" البرامج التي طورتها للحد من عدد الطائرات من دون طيار التي يفقدها الجيش البريطاني في الجو. ومن خلال الكشف عن التغييرات غير المتوقعة في بيانات مراقبة الطيران، استطاع نظام "أريك" أن يجد الأخطاء التي كانت تتسبب في ارتطام الطائرات من دون طيار. ورغم أن فيتزجيرالد توفي سنة 2014، إلا أنه ساهم في تطوير نظام أحدث تغييرا في طرق الكشف عن الغش والاحتيال. وقد استخدم نظام "آريك" تجاريا على نطاق واسع للمرة الأولى لدى مؤسسة "بيتفير" للمقامرة عبر الإنترنت بالمملكة المتحدة، للكشف عن إفراط البعض في الإنفاق على المراهنات، مما يدل على احتمال المراهنة بأموال الغير. وتحقق مؤسسة "بيتفير" على الفور في الحالات التي تثير شكوك نظام "أريك". وقد توقف المعاملة، قبل إتمامها، إن لزم الأمر. ثم استُخدم نظام "أريك" للبحث عن المقامرين أنفسهم، إذ يدل نزوع البعض إلى وضع مبالغ كبيرة في المراهنات بصورة متكررة على إدمان المقامرة. ولا تقتصر فعالية النظام على المراهنة عبر الإنترنت فحسب، بل يمكن للنظام أن يراقب أيضا آلات الألعاب التي تعمل باستخدام العملات المعدنية، للكشف عن أي سلوكيات مرضية. مصدر الصورة Getty Images Image caption إذا كان المستخدم مترددا على غير عادته عند استخدام الموقع، فقد يدل ذلك على أنه يُدخل بياناته المصرفية تحت ضغط ما أو نوع من أنواع الإكراه تقول مارتينا كينغ، الرئيس التنفيذي لشركة "فيتشرسبيس": "إذا استطعت أن تميز اللاعبين الذين بدأت تظهر عليهم علامات إدمان المقامرة، فيمكنك حينئذ أن تتدخل قبل أن يحدث مكروه". وتستعين الآن مؤسسات مراهنات عديدة بنظام "أريك". إلا أن أغلب مستخدمي نظام "أريك" هم المصارف وموفري خدمات الدفع الإلكتروني، إذ يوفر نظام "أريك" أدوات فعالة لمكافحة الجريمة من خلال مراقبة كل مرحلة من المعاملة وقت حدوثها، وكل نقرة على كل اختيار من قائمة الخيارات، فضلا عن متابعة الطريقة التي يتصفح بها الشخص الموقع الإلكتروني في المعتاد. على سبيل المثال، يستطيع النظام أن يميز الشخص الذي يستخدم بيانات مصرفية مسروقة للدخول إلى الحساب. فإن وجد أن الطريقة التي يستخدم الشخص بها الموقع لا تتفق مع الأنماط ذات الصلة بمالك المعلومات المسروقة، يُرسل رسالة تحذيرية على الفور. وبالمثل، إذا كان المستخدم مترددا على غير عادته عند استخدام الموقع، فقد يدل ذلك على أنه يُدخل بياناته المصرفية تحت ضغط ما أو نوع من أنواع الإكراه، مثلما هو الحال عندما يقع الشخص فريسة لعملية احتيال عبر الهاتف، ينتحل فيها المحتال دور موظف مصرفي ويطلب من فريسته تحويل أموال من حسابه بأعذار غير حقيقية. وفي هذه الحالة، يُرسل النظام إشارة تحذيرية إلى المصرف، الذي يجري بدوره تحقيقا في الأمر. يقول كيرك بريسنيكر، بشركة هيوليت باكارد، المعروفة باسم "اتش بي"، في مدينة بالو ألتو، بولاية كاليفورنيا، إن البرنامج وحده ليس كافيا. ولتقوية خاصية الكشف عن التغييرات غير المتوقعة التي تطرأ على البيانات، يعمل بريسنيكر وزملاؤه على تصنيع أجهزة كمبيوتر مصممة خصيصا للتعامل مع مجموعات البيانات الكثيفة التي يعتمد عليها البرنامج القابل للتعلم للحصول على المعلومات. ويتميز الجهاز الجديد الذي أطلقت عليه شركة هيوليت باكارد اسم "ذا ماشين"، بضخامة حجم الذاكرة التي أُضيفت في كل وحدة معالجة، وتتواصل وحدات المعالجة مع بعضها بسرعات مهولة. وتهدف الشركة إلى زيادة كميات البيانات التي يمكن للجهاز تحليلها على الفور من أجل تيسير الكشف عن التغييرات التي تطرأ على البيانات، التي تزداد حجما وتعقيدا. إلا أن شركة هيوليت باكارد تعتزم البحث عن القراصنة والبرمجيات الخبيثة المتطورة، ولن تستهدف المحتالين. وبدأت مؤسسات أخرى في وادي السيليكون تنشط في هذا المجال، ومن بينها شركة إنتل لصناعة الرقائق الالكترونية التي استحوذت مؤخرا على شركة "سافرون تيكنولوجي" بسان فرانسيسكو، التي تصنِّع أنظمة للكشف عن عمليات الاحتيال ومنعها من خلال مراقبة ما تسميه البيانات غير المنظمة والمشوشة. كما أن شركة "فيتشرسبيس" لديها خططها الخاصة لتصميم جهاز يتناسب مع نظام "أريك"، بحيث تدمج البرامج التي طورتها مع جهاز أسرع، بغية الحد من الإنذارات الكاذبة. إن مجال الكشف عن التغيرات غير المتوقعه آخذٌ في التطور، وبإمكان نظام "أريك" أن يكشف عن أي نشاط إجرامي محتمل من خلال ملاحظة أي سلوك مخالف لما هو معهود، ويمكنه أن يرسل تحذيرا حينما يلاحظ شيئا مثيرا للريبة، رغم أنه لا يعرف طبيعة هذا الشئ. يقول إكسيل: "يتعقب المحتالون نقاط الضعف في الأنظمة المصرفية المختلفة، ويستغلونها بأسرع ما يمكن. ولكن نظام أريك يتعلم بنفسه من التجارب السابقة، ولهذا فهو على علم بكل الأساليب الحالية المتبعة في الاحتيال". ويضيف إكسيل: "إن جرائم الاحتيال التي ارتكبت بالأمس هي أفضل وسيلة للتنبؤ بجرائم الاحتيال التي ترتكب مستقبلا". يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future .

مشاركة :