عزيزي القارئ هل تتفق معي أن التغيير سنة الحياة، ومن أهم عناصر التغيير هو التغيير الاجتماعي. وهناك اتجاهات كثيرة لدراسة التطوير الاجتماعي في المجتمعات ذكرها ابن خلدون في مقدمته ووضع لها العالم الاجتماعي اوغست كونت، العلم المعروف بـ «قانون الأطوار الثلاثة». كما أن عشرات من العلماء الاجتماعيين كشفوا، ليس فقط أهمية التطور الاجتماعي، بل مراحله وخطواته ونتائجه. عزيزي القارئ، مرة أخرى نحن في الكويت تغيرنا كثيرا منذ بيوت الطين إلى الفلل الفارهة. منذ الحياة البسيطة إلى الحياة المعقدة. منذ التعليم القديم المحدود إلى أن أصبح التعليم كالماء والهواء واجباً على الجميع. تغييرات كبيرة دخلت الكويت منذ بداية الخمسينات شملت كل النواحي الصحية والتعليمية والاقتصادية والتنموية بقينا فقط من الناحية الاجتماعية داخل «الفريزر» مجمدين. الزيارات الاجتماعية ما زالت في نمطها القديم والعلاقات التي تربط بين الأفراد والأسر، ليس فقط جمدت، بل أيضا تراجعت. إن الكويتيين اليوم يقضون فترات طويلة في زيارات الدواوين، كما أنهم ملتزمون اجتماعيا بحضور الأفراح والأتراح، ويدور كثير منهم بين البيوت للتعزية التي تستمر ثلاثة أيام بهدف تشجيع الناس على عدم التخلف عن هذه المناسبات، وما زلنا اجتماعياً نتنابز بالألقاب ونتفاخر بالأصول ونقيّم الناس وفق تاريخهم وليس إنجازاتهم. في ديننا الحنيف، عاب الله عز وجل على أولئك الناس الذين يحافظون على تقاليد آبائهم من دون تقييمها فقال سبحانه: «بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون» الزخرف آية 22. إذاً من الواضح أن المعتقدات الموروثة والسلوكيات المتناقلة يجب أن يتم تقييمها بين فترة وأخرى، تقييمها يعني تصفيتها، والتخلي عن أي عادات أو معتقدات اجتماعية أو سلوكية تكون سببا في تخلف الأمة. لا بد أن نعترف أن هناك بعض العادات الاجتماعية لدينا تتعارض مع الجهد الحقيقي وتوفير الوقت وتشجيع الإخلاص في العمل، ولو أن قادة الكويت بادروا في توجيه المجتمع اجتماعياً للتخلي عن هذه العادات الاجتماعية، ربما تبعهم بقية المجتمع كعادة الشعوب في اتباع قادتهم. فلو أن القادة اكتفوا بالعزاء في المقابر أو على الأقل وحدَوا العزاء ليوم واحد على سبيل المثال، لخففوا أعباء كثيرة على المجتمع الكويتي. ولو أنهم بادروا بالتداخل بين أطياف المجتمع نسبا ومصاهرة لخففوا من التمييز العنصري الموجود والذي ليس له أساس أخلاقي، كما أنه محرم دينياً. ولو أنهم، أي قادة المجتمع وكباره، أغلقوا مجالسهم اليومية واكتفوا بمجالس شهرية مع إعادة إحياء صلة الرحم التي كادت أن تموت بدلا من المجاملات والمصالح التي انتشرت عبر تلك الدواوين اليومية، لو أنهم فعلوا كل ذلك، لأعادوا تطوير النواحي الاجتماعية ودفعوها إلى الأمام أسوة ببقية أوجه التقدم في الكويت. لا بد أن نعترف إذن أن التطور الحضاري الذي شهدته الكويت وبقية دول مجلس التعاون ينقصه التطور الاجتماعي، فالسلبيات الاجتماعية أصبحت كقيدِ يشَد المجتمعات الخليجية إلى الوراء. نحن بحاجة إلى ثورة اجتماعية تحيي الموروثات الإيجابية وتتخلص من الموروثات السلبية. ففي النهاية وكما قال العالم الاجتماعي الكبير فيكو شبينجلر «إن الحضارة كالكائن الحي تنمو كما ينمو الكائن الحي فإذا قيَدناه اجتماعيا فإنه لن ينمو بالطريقة الصحيحة». kalsalehdr@hotmail.com
مشاركة :