استمع كمال بالهادي ثمّة خطب ما في شمال إفريقيا العربي، وهناك محاولات متسارعة لاستباق هذا الخطب. فكأنّه الهدوء الذي يسبق العاصفة. وكأن تحركات القادة في هذه المنطقة بشكل متسارع وحتى غير مسبوق، هو رغبة في استباق عاصفة مدمّرة قد تهبّ على هذه المنطقة، بعد أن استطاعت أن تحافظ على نوع من الهدوء وأن تستعيد الاستقرار بأقل الأثمان. قادة دول شمال إفريقيا يظهرون نوعاً من الحراك، وقد يخفون حراكاً أكبر، فهم على درجة من الوعي بأن الوقت قد حان لترتيب أوراق الملف الليبي، وإغلاقه، لأنّ حوض المتوسط قد يشهد صراعات مستقبلية، غير متوقعة، شبيهة بالصراعات التي نتجت عما يسمّى الربيع العربي، والتي لم يكن أحد يتصوّرها أيضاً. في هذه المرحلة الترامبيّة الجديدة، والتي يكتنفها الغموض، بسبب التصريحات العدوانية للرئيس الأمريكي الجديد، تجاه العرب والمسلمين عامة. والمدعّمة بقرارات حظر التأشيرة على عدد من الدول العربية، فإنّ وقوع حدث من صنف الزلزال السياسي، على شاكلة احتلال العراق، واغتيال الرئيس رفيق الحريري، لهو أمر متوقّع الحدوث. لو نقرأ ما صدر عن رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي، بعد لقائها بترامب، في البيت الأبيض، ووعده لها بأنه لن يتخلى عن الناتو، حيث قالت يقف خلف الناتو بنسبة 100% بالرغم من التصريحات السابقة التي وصف فيها الحلف بأنه أصبح بالياً وقد عفا عليه الزمن. وعندما نسمع الرئيس الأمريكي يتحدث عن أن الولايات المتحدة لم تستخدم شيئاً من قوتها حتى الآن للقضاء على الإرهاب الإسلامي، فإنّه يمكن فهم بعض ملامح المرحلة القادمة. فالناتو الذي راهن البعض على تشتته أو ضعفه، بعد وعود الرئيس الأمريكي التخلي عنه، سيكون أكثر قوة ربما في الفترة المقبلة وقد يكون حضور الولايات المتحدة فيه، من حيث العمل العسكري، أكبر. وهذا الوضع سيفترض أن الناتو الذي يتمدد شرقاً نحو الحدود الروسية وجنوباً، نحو الضفاف الجنوبية للمتوسط، سيعني أن المجال الجغرافي للتحرك العسكري سيكون في هذه المنطقة. وبما أن الشرق تم تدميره، وستكون المرحلة المقبلة هي مرحلة إعادة إعماره، التي ستتطلب سنوات طويلة، فإن المتوسط قد يكون هو ساحة الحرب الجديدة في العهد الترامبي. الخبراء يعتبرون أن معركة الطاقة لم تبدأ بعد، وهم يعتقدون أن الاكتشاف الهائل للغاز في المتوسط، قد يكون هو الشرارة التي تدفع نحو نزاع مرير من أجل السيطرة على تلك المنابع الجديدة للطاقة، القريبة من أوروبا وذات التكلفة المنخفضة. والحقيقة أن كل القوى تسعى لاتخاذ موطئ قدم لها في البحر المتوسط، فروسيا من خلال حلفها مع سوريا، ضمنت لها مقعداً دائماً في جغرافية المتوسط الجديدة، وهذا سيدفع القوى الأخرى لأن تكون على تماس مباشر مع الدبّ العدو. إنّ وجود ثغرة استراتيجية، في الأمن القومي العربي، وفي منطقة شمال إفريقيا، متمثلة في الوضعية الليبية، دولة فاشلة بمفهوم الفكر السياسي المعاصر، قد تكون مدخلاً لهذا الصراع، خاصة أن ترامب تحدّث عن سعيه لإنهاء ما يسمى الدول الفاشلة، حتى لو كان الأمر بالتدخل العسكري المباشر. هناك حديث غربي متزايد ونقصد بالغرب هنا، أوروبا وأمريكا، عن قضية الهجرة غير الشرعية، وهناك مساعٍ سياسية وقانونية في كل العواصم الغربية، لاتخاذ إجراءات أكثر تشدداً في التعامل مع هذه القضية. وما بدأت به الولايات المتحدة من إجراءات لحظر استقبال اللاجئين، ستنسج على منواله عدة عواصم أوروبية. وهذا المنطق يؤدّي إلى نتائج محدّدة، وهي أن سكان جنوب المتوسط عليهم أن يقضوا في بؤر النزاع التي يعيشون فيها أو أن يموتوا غرقاً في المتوسط. إن الحراك الذي نراقبه هذه الأيام في دول الشمال الإفريقي العربية، يمكن فهمه، في إطار استشعار خطر قائم ومهدد لتلك الدول. يقف الجميع في الشمال الإفريقي على رمال متحركة، ويدرك أصحاب القرار، أنهم سيكونون في مواجهة العاصفة، أو في مواجهة حدث مزلزل، لذلك هم يكثّفون الاتصالات، ويجرون لقاءات مباشرة. ولكن نرى أنّ الواجب نحو الأمة والمنطقة، يقتضي عقد قمة مستعجلة بين زعماء هذه الدول، تتبعها قمة مستعجلة للجامعة العربية، لبحث الملف الليبي. فالجامعة العربية هي التي قدّمت فرمان التدخل في ليبيا في العام 2011، وعليها الآن أن تسعى لإصلاح ذلك الخطأ الذي حوّل ليبيا إلى معقل للإرهاب، يهدد الزيتونة والقيروان، ويقض مضاجع بلد المليون شهيد، ويشكّل خطراً قائماً على خير أجناد الأرض. belhedi18@gmail.com
مشاركة :