من المعتاد أن يعالج الفن المشاكل والأزمات التى تحدث بين شعوب الأرض، وذلك باعتباره القوى الناعمة والمؤثرة، ولقدرته على اختراق الحواجز والحدود أيضًا، وكذلك التأثير فى الرأى العام وتشكيل وعى المجتمع، وهذا هو دور الفن فى الواقع، وهو دور لا يقل أهمية عن الدور السياسى أو الاجتماعى فى حياة أى أمة، ويمكن أن ناخذ صناعة السينما الأمريكية «هوليوود» كمثال حى، فرغم الممارسات العنصرية التى تقوم بها الحكومات الأمريكية المتعاقبة، ضد مجموعة معينة من الدول سواء على أساس الدين أو الرأى والفكر، فإن «هوليوود» ظلت الوجهة المفضلة لكثير من المشاهدين حول العالم، لما تحتويه من تنوع فى المحتوى الدرامى المقدم، وذلك لأنها تلامس العديد من القضايا العالمية، وكذلك الإمكانيات البصرية الهائلة المقدمة للمشاهد. ولكن مع القرار الأخير للرئيس الجديد للولايات المتحدة الأمريكية «دونالد ترامب»، بحظر دخول أصحاب جنسيات ست دول إلى البلاد، وهى «إيران وسوريا والعراق واليمن والسودان وأفغانستان»، الذى أثار ضجة هائلة فى الأوساط العالمية والفنية خاصة، وسط صمت مخيف من حكامنا العرب، فإن الفن يظل المدافع الأول عن حقوق وكرامة أى أمة، وكذلك الشاهد على هذه الأحداث المؤسفة، ونقصد هنا «الفن الواعى» وليس ذلك النوع الآخر الذى يعمل على تغييب العقول بدلًا من إفاقتها، حيث كانت لهذه القرارات الأخيرة أثر على بعض صناع السينما والفنانين فى هذه الدول، واعتذر مؤخرًا المخرج الإيرانى «أصغر فرهادى»، عن الحضور للمشاركة فى فعاليات النسخة التاسعة والثمانين من حفل توزيع جوائز الأوسكار، على خلفية هذا القرار، الذى اعتبره «فرهادي» إهانة لكل فنان، ومحاولة لفرض بعض القوى على الدول ذات الأغلبية المسلمة. وذكر أيضًا «فرهادي»، فى بيان له أنه سيحضر للحفل فى حال عدول «ترامب» عن قراراته الأخيرة، بتعليق قبول جنسيات أصحاب الست دول، موضحًا أنه لم تكن فى نيته الاعتذار عن حضور الحفل، حتى خرجت هذه القرارات المشينة، موجهًا اعتذاره لزملائه فى الأكاديمية الأمريكية للسينما. وخاطب المخرج الإيرانى من ينبذ العنف والتطرف منهم، باعتباره أداة سيئة يستخدمها البعض لنشر الخوف فى قلوب الناس، بدلًا من نشر المحبة والتسامح، مشيرًا إلى أن أصحاب هذه العقول هم أُناس ضيقو الأُفق، مؤكدًا أن الفن لا بد أن يكون معبرًا عن ثقافات مختلفة مهما اختلفت الأديان. وأشار إلى أن جميع الأعمال العدائية التى تحدث فى العالم اليوم سببها ليس التطرف القادم من الشرق فقط، بل القادم من الغرب أيضًا، ومن الجدير بالذكر أن المخرج الإيرانى «فرهادى»، قد فاز منذ خمس سنوات بجائزة الأوسكار عن أفضل فيلم أجنبى، عن فيلمه «الانفصال»، ويشارك فيلمه الجديد «البائع»، على نفس الجائزة فى الدورة القادمة التى ستقام فعالياتها فى السادس والعشرين من فبراير الجارى، على مسرح دولبى بهوليوود.
مشاركة :