بعت دينك يا فلان. يا كافر يا مرتد. هل أعطوك المال لتترك الإسلام أم أن إحدى الصبايا المسيحيات السافرات قد غرّرت بك فتخليت عن دين محمد لتتبع المشركين؟ كيف ستواجه ربّك يوم القيامة؟ هذه عيّنة عن بعض الردود التي سمعها "محمد" عندما انكشف "سرّه الكبير". ثارت ثائرة عائلته ومحيطه، لقد "كان مسلماً وأصبح مسيحياً... يا خجلتنا من الناس". اعلان كان تقريع عائلته له كبيراً، وقد تسبّب اعتناقه لدين آخر بحالة جفاء شبه تامّ معهم. قد يكون محمد "محظوظاً"، القطيعة مع العائلة (على صعوبتها) لا تُقارن بعقاب "المرتدين" في بعض البلدان والمجتمعات والذي يصل إلى الإعدام أو القتل على يد العائلة. ثمة أسباب شخصية تدفع الشخص لتغيير دينه، أسئلة يبحث عنها فيجدها في مكان دون آخر، أو مشاكل يقع فيها فيجد في دين بعينه حلاً أسهل لها، لا سيما وأن فصل المؤسسات الدينية والمدنية شبه غائب في العالم العربي، وبالتالي يتداخل الدين بشكل عضوي بالحياة الشخصية لكل منا. لا يبحث الموضوع هنا في الأسباب الشخصية لتغيير الدين بقدر ما يسلّط الضوء على الحالة العامة الطاغية التي أدت لارتفاع نسبة المسلمين الذين يعتنقون المسيحية بشكل ملحوظ. في بلاد كثرت فيها التحديات، أصبحت الهجرة في دائرة الأوليات، وبينما أسهم صعود الجماعات الإسلامية المتطرفة وهجماتها الإرهابية في تعزيز الإسلاموفوبيا أو كما يقول المسلمون في "تشويه صورة الدين الحقيقي"، وجد كثر من الفئات الهشة والمهمشة في الدين المسيحي ملاذاً. ينطبق ذلك، مثالاً، على عدد متزايد من اللاجئين أمّن لهم الدين المسيحي مساعدات من الكنيسة، أو فرصة لجوء إلى بلد أجنبي، أو زواجاً من أجنبيّة... أو أقله تجنب مواقف عنصرية مع أناس حصروا الإسلام بالتطرف. علي أصبح عبد المسيح نشرت جريدة "التلغراف" قصة علي الذي أصبح عبد المسيح. مسلم سوري من حلب يبلغ من العمر 75 عاماً، كان قد فرّ بعد اندلاع الحرب بوقت قصير إلى لبنان، بينما ترك هناك زوجته وأبناءه السبعة. عمل في تنظيف الشوارع، ولأنه لا يمتلك حساباً مصرفياً بسبب التشديد على اللاجئين في لبنان فضّل الاحتفاظ بالمال الذي يجمعه من أجل عائلته، مع مديره في العمل. عندما قرّر علي الرحيل رفض المدير أن يسلمه المال، ولأن أوراق إقامته كانت قد انتهت صلاحيتها لم يستطع المطالبة بحقه قانونياً. لجأ علي إلى التسوّل في الشوارع، كان ذلك قبل أن يلتقي مسيحياً عراقياً أخبره أن الكنيسة تعطي طعاماً للاجئين. وهكذا قصد "كنيسة الربّ الإنجيلية"، فعرض عليه المسؤول فيها سريراً ووجبتين ساخنتين يومياً وراتباً متواضعاً، شرط أن يوافق على حضور الجلسات الأسبوعية لدراسة الإنجيل. يخبر علي الصحيفة أن كل من حضروا الحصص الدراسية كانوا من المسلمين، ومعظمهم من اللاجئين السوريين والعراقيين. بقي على هذه الحال حتى قرّر أن يتعمّد في أبريل الماضي مع مجموعة من رفاق صفه، ويصبح عبد المسيح بشكل رسمي. عندما وصل الخبر إلى عائلته لم يتقبلوه مطلقاً، حتى أنهم أقاموا جنازة له، وأخبروا الجيران والأقارب أنه قد توفي. الموت بالنسبة لمجتمع محافظ مثلهم أهون من ترك الإسلام، هكذا يعلّق علي. فضّل عبد المسيح البقاء في لبنان، بينما اختار آخرون فعلوا مثله اللجوء إلى أوروبا والولايات المتحدة وكندا. غيّروا دينهم من أجل ذلك. بين هؤلاء "علياء" التي تشارك مع ثلاثة من أبنائها الصغار في حضور خدمات الكنيسة. وتقول لـ"التلغراف" إن "المفوضية العليا لشؤون اللاجئين تقول إن اعتناق المسيحية لا يساعد في قبول الطلبات، لكن تجربتنا أثبتت عكس ذلك". ولأن عائلات هؤلاء تنبذهم، يعوّلون على الحصول على اللجوء إثر وصولهم، بعد تبليغ السلطات الأجنبية أن حياتهم مهددة بخطر القتل في حال عادوا إلى مجتمعاتهم. وبحسب تقرير لتلفزيون "تيلي لوميير" Tele Lumiere الديني في لبنان، فإن الانخراط بسهولة في الجماعات والوصول إلى أعضاء المنظمات الإنسانية الذين يتولون توزيع المساعدات قد لفت نظر المرسلين الأجانب إلى الشرق الأوسط. وقد نقلت عن "فاتيكان إنسايدر"، من تقرير للكاتب ماركو توساتي، أن هذه الظاهرة قد أثارت اهتمام بعثة "المعونة المسيحية البروتستانتية" التي قررت التحقق أكثر من الموضوع، طالبة من بعض الأفراد في كل من تركيا والعراق ولبنان الإجابة على عدد من الأسئلة المتعلقة بالمواطنين السوريين الذين يعبرون الحدود السورية لاجئين إلى دول أخرى. كانت النتيجة أن "عدداً من المسلمين السوريين أبدوا انفتاحاً واضحاً للاستماع إلى الإنجيل المقدس والبشارة وحتى الإيمان بالسيد المسيح". التخلي عن الإسلام مقابل اللجوء على مدار السنوات القليلة الماضية شهدت أوروبا محاولات الكثير من اللاجئين المسلمين تغيير دينهم. وبحسب تقرير لوكالة "أسوشييتد برس" حاول المئات من إيران وأفغانستان وسوريا والعراق وباكستان البقاء في ألمانيا عبر اعتناق المسيحية. هؤلاء يصرحون، كما الكنيسة، أن تغيير الدين أساسه وجداني إيماني بحت، ولكن كثراً منهم يعترفون (من دون ذكر أسمائهم) أن لجوءهم إلى كنيسة الثالوث الإنجيلية كان طمعاً بالحصول على اللجوء، لا سيما "بعد زعمهم أمام السلطات أنهم سيتعرضون للاضطهاد إذا أُعيدوا إلى الوطن". لا يعترف الكهنة، بدورهم، بهذا الدافع، بل يتباهون بإقبال الناس على المسيحية. وتنقل الوكالة عن أحد الكهنة قوله "أعلم أن الناس يأتون إلى هنا مراراً وتكراراً لأن لديهم نوعاً من الأمل بشأن لجوئهم، وأنا أدعوهم إلى الانضمام إلينا، لأنني أعرف أن كل من يأتي إلى هنا سيطرأ عليه بعض التغيير". يُذكر أن أعداد من اعتنقوا المسيحية على يد هذا الكاهن ارتفعت خلال عامين من 150 مسلماً إلى أكثر من 600. وعلى الرغم من أن المستشارة الألمانية أنجيلا مركل قالت مراراً إن "الإسلام ينتمي إلى ألمانيا"، لكن المتحولين يعتقدون أن المسيحية تعزز فرصهم بحياة أفضل، وتضمن عدم ترحيلهم مهما تغيرت ظروف السياسة. ويظهر التقرير على الرغم من غياب الإحصائيات الدقيقة، أن كنائس عدة في أنحاء ألمانيا، مثل الكنائس اللوثرية في هانوفر وراينلند، شهدت تزايداً في أعداد رعاياها للسبب ذاته، بينما تزدحم قائمة الانتظار بالعشرات الذين ينتظرون دورهم لدخول المسيحية. من كان هارباً من الحرب... فليؤمن في دراسة مطولة أعدتها جامعة "سانت ماري" الأميركية في العام 2015، وصل عدد المتحولين للديانة المسيحية في العالم بين عامي 1960 و2015 إلى حوالي 10.2 مليون نسمة. وأجرت الدراسة التي حملت عنوان "المؤمنون في المسيح من خلفية مسلمة" إحصاء عالمياً لهذه الظاهرة، بينما رأت أن معظم التحولات حصلت لدى أناس آتين من بلدان تمزقها الحروب أو بعد تصاعد التطرّف الإسلامي فيها. تقول الدراسة إن معظم الأرقام التي تمّ جمعها تعود إلى ما قبل الحرب التي شهدتها سوريا، وهذا ما يجعل التحولات السورية غير ملحوظة فيها. في العموم تطرح الدراسة الخطوط العريضة التي أسهمت في ارتفاع هذه الأعداد عالمياً، وفي الخريطة التي نشرتها بدا العام 1988، وتحديداً تاريخ ظهور تنظيم "القاعدة"، مرحلة في زيادة أعداد الهاربين من الإسلام بشكل ملحوظ عن الفترات التي سبقت. أما العام 2001، وتحديداً بعد أحداث 11 أيلول، فكان مفصلياً لجهة تزايد الأعداد. بعد هذه الأحداث، بدأت الحرب على الإرهاب، والتي أخذت بطريقة أو بأخرى شكل الحرب على الإسلام، ما دفع كثر إلى التخلي عن الدين الذي قد يتسبب لهم بمشاكل في حياتهم الشخصيّة. ولأن الدين جزء أساسي من حرب المصالح، تحاول كلّ جهة إثبات قوتها عبر عدد المسجلين باسمها أو الآتين إليها، وتعتبر اعتناق أحدهم لدينها وتخليه عن الدين الآخر انتصاراً لها. ولهذا أثارت قضية اعتناق المسلمين للدين المسيحي جدلاً بين الجهات الدينيّة، إذ اتهم المشايخ المنظمات الخيرية المسيحية باستغلال موقف اللاجئين والضغط عليهم من أجل التحوّل في وقت ردّت الكنيسة بأن هؤلاء وجدوا في المسيحية دين محبة في وجه عنف الإسلام المتصاعد. الجدير ذكره هنا أن ثمة حالات كثيرة تحصل كذلك بشكل عكسي، إذ يلجأ مسيحيون لاعتناق الإسلام تسهيلاً لعملية طلاق تعرقلها الكنيسة، أو طمعاً بالحصول على حضانة الأولاد، أو سعياً لزواج مرفوض بين طائفتين مختلفتين. وفي هذه الحالة كذلك يستغل المسلمون الواقعة للتأكيد على أن الإسلام خير الأديان بينما يواجه المتحوّل النبذ في المجتمع المسيحي. نتيجة هذا الواقع، وأسباب أخرى، يُترك الملف للاستغلال السياسي والديني بين الأطراف المتصارعة، بينما يبقى صعباً تحديد أعداد المتحوّلين. تعزو دراسة "سانت ماري" الأمر إلى حساسية الموضوع، الذي يجعل الأرقام مبالغاً بها في بعض النواحي، أو مستخفاً بها في نواحي أخرى. المبالغة في أرقام المتحوّلين تعود في بعض الأحيان إلى رغبة الكنيسة أو المنظمات الخيرية أو المبشرين في الحصول على المزيد من الدعم المالي، أو إلى لجوء بعض اللاجئين إلى فعل العمادة والتسجيل في أكثر من كنيسة. كما يمكن أن تحصل عبر المسلمين الذين قد يضخّمون الأرقام من أجل التهويل على الناس، كي يتمسكوا بدينهم أو يحاربوا من أجله. أما الاستخفاف بالأرقام فأسبابه واضحة وتعود إلى محاولة التقليل من الظاهرة حماية للدين وشدّ عصب المعتنقين له، فضلاً عن إظهار القوة أمام "العدو". وفي ظروف أخرى، كثر من المعتنقين يحافظون على سريّة الأمر بسبب الخوف من المجتمع، أو من الدولة خوفاً من عقوبة الإعدام كما في إيران وأفغانستان والسعودية. هيفاء زعيتر صحافية لبنانية. عملت في صحيفة السفير، ثم مراسلة لقناة الجديد اللبنانية، وقناة فرانس24 الناطقة باللغة العربية. التعليقات
مشاركة :