تكاد أزمة قانون الانتخاب في لبنان ان «تُطْبِق» على واقعه السياسي الذي لم يكد ان «يلتقط أنفاسه» مع التسوية التي أنهت فراغ الـ 30 شهراً في رئاسة الجمهورية حتى وقع في «فخّ» الصيغة القانونية التي ستحكم الانتخابات النيابية في مايو المقبل والتي أوّل «طرف الخيْط» فيها عنوانه تصحيح التمثيل المسيحي، وآخِره حساباتٌ لقوى مسلمة أخرى بعضُها ذات طبيعة طائفية وبعضها الآخر ذات خلفيات سياسية تتّصل بحدود التوازنات الداخلية وامتداداتها الاقليمية. وفي حين تغرق القوى السياسية في «دفْن» الطروحات المتعلّقة بقانون الانتخاب الواحد تلو الآخر على وقع سباق المهل الفاصلة عن موعد الانتخابات التي تسبق انتهاء ولاية البرلمان بشهر وارتسام ملامح أزمة وطنية في الأفق مع تبادُل التهديد برفْع «البطاقات الحمر»، فإن السخونة المستعادة على خط واشنطن - طهران في ظلّ التصعيد التصاعُدي الذي يعتمده الرئيس دونالد ترامب حيال ايران وأدائها في المنطقة تنذر بجعل الواقع اللبناني أكثر انكشافاً على هذه التحولات انطلاقاً من أدوار «حزب الله» العسكرية، كامتدادٍ ايراني، في أكثر من ساحة ملتهبة والمخاوف من ان توضع «بلاد الأرز» في «عين» رياح التشدُّد المتبادلة بين الولايات المتحدة وايران. وبعدما كانت الانتخابات الرئاسية اللبنانية لسنة 2022 ظهرت كأحد «القطب المخفية» في الصراع حول قانون الانتخاب الى جانب تحسُّس «حزب الله» من اي التفاف على حلفائه في 8 آذار او السماح باستيلاد برلمان بأكثريات مريحة للثنائي المسيحي (التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية) تجعله يُمسك ورقة الثلث المعطّل في مجلس النواب او توفّر لهما مع «تيار المستقبل» وحلفائه غالبية الثلثين في المجلس، فإن الوجه الخارجي للحسابات الانتخابية التي تطلّ برأسها من خلف «شد الحبال» الاميركي - الايراني والذي لا بد ان تتلقّف نتائجه في توقيت ما دول الخليج، من شأنه ان يضفي أبعاداً أكثر أهمية على استحقاق الانتخابات الانتخابية وحتى ان يعطي معنى آخر لحسْم رئيس الجمهورية ميشال عون خياره بأن «الفراغ» في مجلس النواب أفضل من إجراء الانتخابات وفق القانون النافذ اي «الستين» ومن التمديد للبرلمان. واذا كان الجميع تقريباً في بيروت باتوا يسلّمون بأن مهل دعوة الهيئات الناخبة (خلال اسبوعين) وفق قانون الستين لضمان عدم حصول الفراغ والالتزام باجراء الانتخابات في مواعيدها (مع امكان تأجيل الانتخابات فور التوافق على قانون جديد) ستمرّ وربما دون صدور الدعوة من أصلها تفادياً لافتعال أزمة مع رئيس الجمهورية الذي لن يوقّع في أي حال مرسوم الدعوة ولو وُجهت، فإن «خيار الفراغ» في البرلمان هو بمثابة «لعب بالنار» وأن لعبة «حافة المهل» للضغط لاستيلاد قانون جديد «بأي ثمن» يمكن ان ترتدّ في وقتٍ ما بحيث يصبح مأزق قانون الانتخاب ورقة بيد قوى اقليمية لتوظيفها في الصراعات الكبرى وربما بلوغ ما كان يُخشى منه ابان الفراغ الرئاسي وهو إعادة النظر بالنظام اللبناني كـ «تعويض» عن خسارة ساحات أخرى. وأمس بقي رئيس الجمهورية والزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط في واجهة «خطوط التمتْرس» التي يتحصّن خلفها «التيار الوطني الحر» (حزب عون) و«القوات اللبنانية» دفعاً لإقرار قانون جديد على قاعدة صيغة المختلط بين الأكثري والنسبي حتى الساعة (وفق معايير غير التي سقط بسببها طرح رئيس التيار الحر الوزير جبران باسيل) باعتبارها «الممكنة» ضمن الوقت المتاح، في حين يرفع جنبلاط شعار لا قاطعة لأي نسبية، مقابل رفض تيار«المستقبل» (يقوده الرئيس سعد الحريري) اي قانون يعتمد على النسبية الكاملة، وتمسُّك الثنائي الشيعي «حزب الله» والرئيس نبيه بري بالنسبية الكاملة ولكن مع استعداد للبحث وفق الصيغ المطروحة (من ضمنها التأهيل على مستوى القضاء بالأكثري والانتخاب بالنسبي) او اقتراحات أخرى، ومع إصرار بري على عدم السير بقانون لا يوافق عليه جنبلاط. وقد أعلن الرئيس عون خلال استقباله «منتدى سفراء لبنان» انه لن يسمح في عهده «بانتهاك الدستور وتجاهل إرادة اللبنانيين بالتغيير»، مؤكداً في اشارة الى قانون الانتخاب «سأستعمل صلاحياتي الدستورية للمحافظة على حقوق اللبنانيين والتجاوب مع آمالهم وتطلعاتهم». وفي موازاة ذلك، كان وفد من كتلة جنبلاط يزور النائب سليمان فرنجية ليؤكد موقفه المتمسك بانتخاباتٍ على الأكثري او تطبيق الطائف، وذلك بعدما كانت لاحت اول من امس إشارات الى تلويح جنبلاطي بمقاطعة الانتخابات اذا لم تراعِ هواجسه. علماً ان تقارير كشفت ان الوزير وائل ابو فاعور الذي كان التقى الرئيس الحريري اول من امس أبلغ اليه على وقع معاودة اللجنة الرباعية (تضم ممثلين لحزب الله وبري والتيار الحر والمستقبل) اجتماعاتها لبحث صيغة جديدة من المختلط بعد «دفن» طرح باسيل «مقاطعة الانتخابات او قانون الستين» وأنه حذّر من «الدخول في اشتباك سياسي يوصِل الى أزمة وطنية شاملة اذا أصرّ البعض على قانون انتخاب يقوم على نسبية اعتبرها تقاسم حصص واستيلاء على المقاعد»، قائلاً: «لحمنا لا يُؤكل».
مشاركة :