في ليالي الشتاء الباردة يتجمع السعوديون حول «شبة النار»، ليطردوا البرد من أجسادهم، وليس هناك حطباً أفضل من «الغضا» ليشعلوا به النار ساعات طويلة. ويؤخذ هذا الحطب من شجرة تحمل الاسم ذاته. هذه الشجرة منحت محافظة عنيزة اسماً اطلقته على مهرجانها السنوي الأبرز في القصيم، جنباً إلى جنب مع «ربيع بريدة» في جارتها العاصمة الإدارية للمنطقة. انطلق المهرجان قبل 20 عاماً، ويقام خلال الفترة من 26 من كانون الثاني (يناير) ويتواصل إلى 27 آذار (مارس) من كل عام، وتُقام فاعلياته المتنوعة السياحية والترفيهية والثقافية والتراثية، في منتزهات الغضا. وكان مهرجان عنيزة الشتوي يحمل هذا المسمى، حتى غيره أمير منطقة القصيم سابقاً (الرياض حالياً) فيصل بن بندر، أثناء زيارته لمقره، إلى «الغضا»، نسبة إلى أشجار الغضا، للتنبيه إلى أهمية الحفاظ على هذه الشجرة وحمايتها من الاحتطاب الجائر. ويمتاز مهرجان «الغضا» بأنه يحمل اسماً له إرث تاريخي تميزت به المدينة منذ قرون مضت. وعنيزة كلها إرث، وهي مرتع الشعراء والكتاب، وعندما زارها الرحالة والكاتب الأميركي من أصول لبنانية أمين الريحاني وكانت فاتحة الضيافات في هذه المدينة، وصفها بأنها «عنيزة حصن الحرية ومحط رحال أبناء الأمصار، عنيزة قطب الذوق والأدب باريس نجد، وهي أجمل من باريس إذا أشرفت عليها من الصفرا (أرض حصوية مجدبة شرقي عنيزة وتعلوها مئتي قدم)، لأن ليس في باريس نخيل وليس لباريس منطقة من ذهب النفود، بل هي أجمل من باريس حين إشرافك عليها، لأنها صغيرة وديعة خلابة بألوانها». وشبه الريحاني عنيزة بأنها «صورة صورها كلود مونيه (رائد المدرسة الانطباعية في الرسم) لقصة من قصص ألف ليلة وليلة، وكأنها لؤلؤة في صحن من الذهب مطوق باللازورد، بل قل إنها السكينة مجسدة وقد بنت لها معبداً بين النخيل، زانته بإفريز من ذهب الرمال، وكللته بإكليل من الأثل، فهي في مجوف من الأرض يحيط بها غاب من هذه الاشجار ليرد عنها رمال النفوذ التي تهددها من الجهات الثلاث، من الشمال والغرب والجنوب»، مضيفاً: «قلت مرة لأهلها: أنتم والنفوذ قوم أعداء في إصلاح العرب، فاعجبوا بالكلمة وتناقلوها، إنها الحقيقة». وبالعودة إلى المهرجان، الذي يقدم ضمن فاعلياته المزرعة والقرية التراثية والحرفيين، وركن الاستوديو الضوئي ومعارض السيارات القديمة، ومقهى الغضا، وركن الأسر المنتجة، وألعاب الأطفال، ومسرح الغضا، والنحت على الرمال، وعروض الصقور السعودية، ومدرسة الغضا للخيول والحارة القديمة. وحرصت اللجنة المنظمة للمهرجان على إيجاد نافذة تسويقية للأسر المنتجة في ظل الإقبال الكبير من الزوار، وجهزت أكثر من 80 محلاً لعرض منتجات الأسر من الأكلات الشعبية، مثل: الكليجا، والفتيت، والقرصان، والمرقوق، والجريش، إلى جانب الأدوات التراثية والتحف والملبوسات. فيما تابع فاعلياته في الموسم قبل الماضي، أكثر من 180 ألف زائر بحسب المركز الإعلامي للمهرجان. وضرب المهرجان بجذوره في السياحة الشتوية والمهرجانات والفاعليات السياحية، وأثمر إبداعاً وعملاً متميزًا على مدار السنوات الماضية، حتى تم وضع خطة شاملة لإنشاء وتشغيل قرية الغضا التراثية، وسط الكثبان الرملية التي تزينه بأشجار الغضا، على أرض محافظة عنيزة التي تحمل مجموعة خصائص ومقومات سياحية فريدة من نوعها. ولم ينس المهرجان الشجرة التي منحته اسمها، فخصص العام الماضي، مساحة تتجاوز خمسة آلاف متر مربع لاستزراع الغضا داخل القرية، ووضع الاستزراع فاعلية يومية يشارك فيها جميع الزوار الراغبين، وتم زرع حوالى 300 شجرة غضا، وكان أول المشاركين أمير منطقة القصيم الدكتور فيصل بن مشعل، خلال رعايته يوم الغضا في النسخة السابقة من المهرجان.
مشاركة :