لم تختف الطوابير والزحام من أمام أرض المعارض بمدينة نصر، حيث يقام معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ48، التي تحمل شعار «الشباب وثقافة المستقبل»، إلا أن المشهد في أجنحة دور النشر المشاركة وعددها 670 من 35 دولة، يختلف باختلاف الأسعار التي تقدمها للجمهور. بدأت فعاليات المعرض 26 يناير (كانون الثاني) وكانت حالة الإقبال تمثل هاجسا كبيرا لدى المسؤولين عن المعرض، لكن الإقبال جاء مبشرا خلال الأيام الأولى لانعقاده. المتجول في المعرض سيشهد تنوعا في زواره من مختلف الأعمار ومختلف أنحاء الدول العربية والأجنبية. كان الزحام بشكل لافت في جناح «مكتبة الأسرة» الكبير، حيث يتهافت القراء على الرفوف بما تحمله من كتب متنوعة في مختلف فروع المعرفة لا يزيد ثمنها على 15 جنيها، فهنا اقتنيت مذكرات المخرج الإيطالي فيدريكو فيلليني المترجمة بسعر 7 جنيهات فقط، في حين أن سعرها في دار نشر أخرى يصل لـ150 جنيها. يقول محي الدين عبد المجيد، المشرف على جناح «مكتبة الأسرة» بالمعرض، لـ«الشرق الأوسط»: إن الإقبال على إصدارات «مكتبة الأسرة» هذا العام أقوى من أي دورة سابقة؛ بسبب ارتفاع الأسعار عموما بالنسبة لإصدارات دور النشر الخاصة؛ لذا وجد عشاق القراءة ضالتهم في هذا الجناح، حيث يبدأ سعر الكتاب من جنيه، ويصل سعر أغلى كتاب بعد الخصم إلى نحو 10 جنيهات، وذلك للكتب العلمية المترجمة والسير الذاتية المترجمة». وفي جولة بين أجنحة دور النشر العربية والمصرية المشاركة رصدت «الشرق الأوسط» وجود كتب تروج للفكر المتطرف والفكر التكفيري، على عكس تصريحات وزير الثقافة المصري الكاتب الصحافي حلمي النمنم، الذي أكد أنه لن يسمح بوجود مثل هذه الكتب، بل لقد أمكنني الحصول على كتاب «إدارة التوحش» لأبو بكر ناجي، الصادر عن دار التمرد بسوريا، الذي بلغ ثمنه 190 جنيها، وهو الكتاب الذي تستقي منه التنظيمات المتطرفة استراتيجيتها في القتال، خصوصا المرتبطة بتنظيم القاعدة. صحيح أنه تم منع دور نشر بعينها من المشاركة الرسمية، إلا أن تلك الكتب تجد دائما طريقها إلى أجنحة بعض المكتبات التي تقوم بالتوزيع. وكان من اللافت وجود جناح خاص للأزهر الشريف بصالة (4) بسرايا اتحاد الناشرين المصريين، وذلك بمشاركة قطاعات الأزهر المختلفة: مكتبة الأزهر، مجمع البحوث الإسلامية، قطاع المعاهد الأزهرية، جامعة الأزهر، المركز الإعلامي بالأزهر، مركز الأزهر العالمي للرصد والفتوى الإلكترونية، مركز الأزهر للترجمة، الرابطة العالمية لخريجي الأزهر. ومن أبرز الإصدارات التي رصدناها سلسلة «حقيقة الإسلام»: مقومات الإسلام، نظرية الحرب في الإسلام، الإنسان والقيم في التصور الإسلامي، نبي الإسلام في مرآة الفكر الغربي. وكان من المثير تصدر عناوين الكتب والروايات المترجمة على رأس إصدارات الكثير من دور النشر الخاصة، فضلا عن دفع دور نشر وزارة الثقافة المصرية بآلاف العناوين المترجمة. ومن دور النشر التي قدمت الكثير من العناوين المترجمة: «دار مصر العربية» التي اهتمت بترجمة أعمال الكاتبة الحائزة نوبل 2015 سفتلانا أليكسفيتش، بينما قدمت دار «صفصافة» الكثير من التراجم على رأسها رواية «دورا بروديه» لباتريك موديانو، الفائز بنوبل للآداب عام 2014. ويقول الناشر مصطفى الشيخ، المسؤول عن مكتبة آفاق للنشر والتوزيع في حديثه عن أحدث إصدارات المكتبة من الروايات العالمية المترجمة: إن «الشباب يبحثون عن الروايات العالمية المهمة لكبار الأدباء العالميين؛ لذا حاولنا تلبية رغبة جمهور القراء، ومن إصداراتنا خلال المعرض هذا العام: (صحراء التتار) للروائي الإيطالي دينو بوتزاتي، و(البحار الوسيم) لهرمان مليفل، و(العجوز والبحر) لإرنست هيمنجواي». ويصف الشيخ الإقبال هذا العام على المعرض بأنه جيد مقارنة بالعام الماضي وفي ظل ارتفاع أسعار الكتب، مشيرا إلى أن «جميع دور النشر المصرية قدمت خصومات كبيرة على الكتب في محاولة لجذب القارئ والتخفيف عنه»، ولفت الشيخ إلى أن هناك المزيد من الإصدارات الجديدة لعدد من دور النشر ستصدر خلال الأيام المقبلة؛ نظرا للضغط الكبير على المطابع؛ ما أدى إلى تأخر صدورها. ومن الملاحظ الكم الهائل للعناوين الجديدة في مختلف المجالات؛ مما يؤشر على انتعاش حركة النشر رغم الضغوط الاقتصادية على هذه الصناعة؛ بسبب انخفاض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار. قالت الناشرة فاطمة البودي: «أصدرنا هذا العام 43 عنوانا جديدا ما بين روايات ودراسات فكرية منها: (شوكولاته سودا) لأمل رضوان، وهي مجموعة قصصية متميزة وصاحبتها حائزة جائزة ساويرس الثقافية، وأيضا كتاب (المرأة في الإسلام) وخلال عام 2017 سنصدر عددا من الدراسات الفكرية المترجمة». وتشير البودي، وهي ناشرة «هوت ماروك» لياسين عدنان، التي وصلت للقائمة الطويلة للبوكر هذا العام، إلى أن الدار هذا المعرض اهتمت بالأدب المغربي وقدمت عددا من الروايات والقصص لمبدعين مغاربة منهم: أنيس الرافعي، وإسماعيل الغزالي، وهشام البواردي الذي أراه قادما بقوة؛ فهو روائي من الطراز الرفيع. وحول تقييمها لدورة المعرض هذا العام، قالت: «الإقبال على الشراء ضعيف وهو أمر كنا نتوقعه، وقدمنا حسومات قدر استطاعتنا للتخفيف عن القراء. الأمر الذي أسعدني حقا هو الإقبال الكبير من الأسر المصرية بأطفالهم؛ فهذا سيغرس حب الكتب لدى الأطفال، وأيضا وجود النشاط الفني والثقافي على مدار ساعات المعرض الذي أدخل السعادة على قلوب الشعب المصري؛ مما يؤكد أن مصر بلد الفن والثقافة، وهذه هي أسلحتنا لمواجهة التطرف والإرهاب». وكان من اللافت الإقبال الكبير على جناح «مكتبة مصر» بلافتتها المميزة التي تعكس القوة الناعمة لمصر ومفكريها التي تقدم إصدارات كبار المفكرين والأدباء، مثل: يوسف إدريس ويوسف السباعي والمنفلوطي بسعر 10 جنيهات فقط. وعلى بعد خطوات، شهدت أروقة خيمة «سور الأزبكية» للكتب المستعملة والمخفضة رواجا وإقبالا كثيفا، خصوصا من قبل الشباب على الروايات العربية والأجنبية أيضا، حتى أنك لن تجد موضعا لقدمك داخل الخيمة. هنا ترتفع نداءات الباعة على الكتب بأسعارها؛ فهذا بخمسة أو بعشرة أو 20 جنيها، لكن اختفى نداء الكتاب بجنيه الذي عهده زوار المعرض كل عام. في جناح ضيف شرف المعرض دولة «المغرب» الذي يضم 17 دار نشر مغربية، وقف مصطفى بولهريس، المسؤول عن جناح دار نشر «سوماكرام» يتحدث بحياء جم إلى زوار الجناح من المعرض الذين يسألون عن أسعار الكتب، منبها على كل فرد منهم بأن سعر الكتاب بالدرهم المغربي المدون على الكتب يساوي ضعف الثمن بالجنيه المصري، قائلا: «للأسف ارتفاع الأسعار يؤدي في كثير من الأحيان إلى إحراج الجمهور؛ لذا أفضّل أن أقول له السعر ليحدد عدد الكتب التي ينتقيها». وعن حجم الإقبال في المعرض هذا العام، قال: «أعتقد أن الإقبال معقول، ونتوقع أن يتحسن في الأيام المقبلة»، لافتا إلى أن أكثر الكتب مبيعا لديه هي روايات الروائي المغربي الكبير عبد الكريم غلاب. في سراي ألمانيا «أ»، حيث تشارك دور النشر العربية، اكتظ جناح دار نشر المجلة العربية السعودية بإصدارات متنوعة في الأدب والسياسة والإعلام والثقافة وأدب الطفل وقصص الأطفال، التقينا الأستاذ عبد العزيز المهنا، مدير الشؤون المالية والإدارية بـ«المجلة»، الذي قال: إن كتاب «المجلة» رغم أنه يتم توزيعه شهريا وبشكل مجاني مع المجلة، فإنه يلقى إقبالا كبيرا من قبل زوار المعرض الذين يسعون للحصول على ما فاتهم من أعداد وكتب. من جانبه، قال الأديب السعودي عبد العزيز الصقعبي، مدير تحرير «المجلة العربية»: «تحتفل المجلة بمرور 40 عاما على إصدارها، وهي منذ صدورها تكرس توجهها للعالم العربي، وناقشت عبر أعدادها الكثير من القضايا الفكرية والأدبية والسياسية والعلمية، إلى جانب الاستطلاعات والإبداع الأدبي في القصة والشعر، وقصص الأطفال، ونقدم في جناح المجلة مجلدات وعددها 218 كتابا تضم مختارات مما نشر في (المجلة العربية) خلال الـ40 عاما، وهي تحظى بإقبال كبير من جانب زوار المعرض». وأمام جناح دار «الفارابي» اللبنانية وقفت الباحثة سهيلة عمران تتصفح فهرس كتاب في علم الاجتماع في سياق بحثها عن مراجع علمية تعينها في إعداد رسالة الماجستير قبل أن يقطع تركيزها صوت المسؤول عن جناح الدار قائلا: «هذا الكتاب بمائة جنيه» تقول عمران: «هذا العام شعرت بأن قلوب الناشرين والمسؤولين عن دور النشر على الباحثين والقراء ورغبتهم في مساعدتهم بأي شكل، فضلا عن تنبيه الباعة على القراء بضرورة مراجعة الثمن قبل اتخاذ قرار الشراء» وتضحك قائلة «في أول جناح زرته بالمعرض اليوم جمعت 7 كتب، ووجدت أن قيمتها بلغت 900 جنيها فقررت التخلي عن 4 كتب كي أتمكن من اقتناء عدد آخر من الكتب التي تعرضها دور النشر الأخرى». لم تشهد فعاليات المعرض والندوات الثقافية إقبالا كثيفا، بل كان الحضور في بعض الندوات الثقافية لا يتعدى أصابع اليد الواحدة، يقول الشاب مجد علي الدين، أحد زوار المعرض، أثناء خروجه من ندوة حول دور الفن للفنان التشكيلي محمد عبلة «أعتقد أن الندوات لم يتم الترويج لها بالقدر الكافي، صحيح أنها منشورة على الإنترنت، لكن أعتقد أنه كان من الأفضل مثلا أن يتم الإعلان عن بدء الندوات في إذاعة داخلية بالمعرض؛ لأن الإقبال كان من قبل أصحاب التخصص». شارك في فعاليات المعرض هذا العام كتاب عالميون، من أبرزهم الكتاب الصيني «شوي تسي تشن» الذي تحدث بصراحة كبيرة عن الفجوة الثقافية الكبيرة بين الثقافة الصينية والعربية، رغم وجود تبادل حضاري وثقافي منذ عصور قديمة، وقال: «الصين تعاني انغلاقا ثقافيا، وهي من البلدان التي تأخرت في الاهتمام بنشر ثقافتها بالخارج بسبب اهتمامات بحل المشكلات الاقتصادية. على الناحية الأخرى، فإن القارئ العربي غير مُلم بالأدباء الصينيين؛ لأن العرب صبوا اهتمامهم على الأدب الإنجليزي وأدب أميركا اللاتينية؛ لذلك فالأدب الصيني سيحتاج إلى فترة زمنية حتى يحتل مكانته في السوق الثقافية المصرية» وأشار صاحب رواية «بكين بكين» إلى أن «أدب نجيب محفوظ كان بوابته لمعرفة المجتمع المصري، وأنه فوجئ أن ما حملته روايات محفوظ من صور عن مصر هي فعلا ما وجد مصر عليه لا ما تجسده وسائل الإعلام العالمية».
مشاركة :