لا يفوّت رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون فرصة للضغط باتجاه تأمين المجتمع الدولي أماكن آمنة داخل الأراضي السورية، تسمح بإعادة مئات آلاف اللاجئين والنازحين السوريين المنتشرين في المناطق اللبنانية كافة. وكان إعلان الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب نهاية الشهر الماضي أنه «سيقيم بالتأكيد مناطق آمنة في سوريا» لحماية الأشخاص الفارين من العنف هناك، قد أعطى دفعة للدول المعنية مباشرة بالأزمة السورية، وعلى رأسها لبنان وتركيا والأردن، لممارسة مزيد من الجهود والضغوط لضمان إقامة كهذه. وفي هذه الأثناء، يرى البعض أن مثل هذه المناطق باتت «عمليًا» موجودة في الشمال السوري، وبالتحديد في الرقعة التي توجد فيها قوات «درع الفرات» التي تقودها أنقرة. عون، خلال استقباله أمس مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، حث المجتمع الدولي على «العمل لتسهيل عودة هؤلاء النازحين إلى بلدهم، عبر إقامة أماكن آمنة في سوريا لاستقبالهم، بالتنسيق مع الحكومة السورية (أي نظام الأسد)»،. وقال في الوقت عينه إن «لبنان ليس في وارد إلزام أي من النازحين العودة إلى سوريا في ظروف أمنية غير مستقرة، لكن لا بد من عمل دولي جامع لإيجاد المناخ المناسب لتسهيل العودة؛ لأن بقاءهم في لبنان لا يمكن أن يدوم إلى الأبد، خصوصًا أن ظروف عيشهم على الأراضي اللبنانية ليست مريحة». وإذ شدّد عون على «أهمية نجاح الحل السياسي الذي يعمل له حاليا، مع الاستمرار في مواجهة الإرهابيين أينما وجدوا»، أفاد غراندي بأن المفوضية «تواصل التنسيق مع منظمات الأمم المتحدة كافة، وتبحث مع الحكومة السورية في وضع مخططات لعودة تدريجية للنازحين الراغبين في العودة» مذكرا بأن «المفوضية رعت برنامجا مع عدد من الدول لاستضافة نازحين سوريين، وتحققت حتى الآن استضافة 30 ألف عائلة في كندا وأميركا». وأوضح غراندي، خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده في القصر الجمهوري ببعبدا (ضواحي بيروت) أنّه أطلع الرئيس اللبناني على مشاهداته في سوريا التي عاد منها للتو. ولفت إلى أن «الأمور لا تزال صعبة خصوصا في المدن الشمالية الكبرى، كحمص وحلب التي تعرف ظروفا دراماتيكية لم يتم حلها بعد». واعتبر المسؤول الأممي أنّه «من أجل تسريع عودة اللاجئين إلى سوريا، الواجب تأمين الظروف الأمنية وإطلاق مرحلة إعادة الأعمار، على الأقل بداية، كي تبدأ الحياة بالعودة تدريجيا إلى هذه المدن التي غدت مدن أشباح». وأضاف: «قلت لفخامته إن الأمر يتطلب بعضا من الصبر لأن الحلول ليست فورية، فأجابني بأن الصبر الطويل هو من الميزات المعروفة عنه، وهذا ما أقدره للغاية». في هذه الأثناء، أشارت مصادر مقربة من عون إلى أن «ما يطرحه ليس إقامة مناطق آمنة، بل تأمين أماكن في الداخل السوري كقرى، حيث لا مواجهات عسكرية، يمكن أن تستوعب اللاجئين الموجودين داخل الأراضي اللبنانية»، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «يعرض الموضوع أمام كل المرجعيات الدولية، للحد من الخسائر التي يتكبدها لبنان». ومن ثم أوضحت أن موضوع زيارته لدمشق لبحث الملف غير مطروح حاليًا. ولاحقًا، خلال مؤتمر صحافي عقده غراندي في بيروت، بعد انتهاء جولته على المسؤولين اللبنانيين، قال رئيس المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن فكرة المناطق الآمنة داخل سوريا لن تنجح في حماية الفارين من الحرب الدائرة في البلاد منذ ما يقرب من 6 سنوات، وأضاف: «بصراحة، لا أرى في سوريا الظروف المواتية لإقامة مناطق آمنة فعالة وناجحة»، وتابع: «في ظل التشظي وعدد الأطراف المتقاتلة ووجود جماعات إرهابية، فهو ليس المكان الصحيح للتفكير في مثل هذا الخيار». وفي حين لا تبدو المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة متحمسة كثيرًا لموضوع «المناطق الآمنة» لخشيتها من أن تتحول هذه المناطق من دون سابق إنذار مجددا إلى منطقة صراع، أفاد محمد سرميني، مدير مركز «جسور للدراسات» بأن منطقة «درع الفرات» الممتدة من أعزاز إلى الراعي فمنبج والباب، والتي تمتد على مساحة 5000 كيلومتر مربع، باتت عمليًا ومن حيث الجهوزية اللوجستية والعسكرية «منطقة آمنة»، خاصة مع وصول أعداد كبيرة من اللاجئين الذين كانوا في تركيا إليها. إلا أنه لفت في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هذه المنطقة لا تزال تحتاج للغطاء الأميركي الذي قد لا يتأخر ترمب في تأمينه. كذلك، لا يستبعد سرميني أن تتحول بعض مناطق الجنوب السوري القريبة من ريف دمشق، كمحافظة السويداء، إلى «مناطق آمنة» يتوافد إليها اللاجئون المتواجدون حاليا في الأردن. وأضاف: «أما الوضع في الأراضي المحاذية للبنان فأكثر تعقيدًا، نظرًا لعدم وجود قوات قادرة على ضمان أمن اللاجئين في هذه المناطق، ما يطرح جديا إمكانية اللجوء إلى قوات دولية لحمايتها، لكن ليس في المدى المنظور». جدير بالذكر، أن رئيس الحكومة سعد الحريري أطلق الشهر الماضي «خطّة لبنان للاستجابة لأزمة اللجوء 2017 - 2020»، تم من خلالها المطالبة بمبلغ قدره 2.8 مليار دولار.
مشاركة :