الحرب الدائرة في نقط عديدة من العالم، تحرك السواكن وطيات تاريخ الأمة العربية؛ تاريخ الأقنعة وطمس الإشكالات الحقيقية للذات العربية بين الأنا والآخر. العربعبدالغني فوزي [نُشرفي2017/02/05، العدد: 10534، ص(11)] ” الإبداع والحرب”، طالما فكرت وتأملت كـأيّ سفليّ جريح ـ دون متكأ أو أفق- في هذه العلاقة المركبة، وذات الوجوه العديدة: الإبداع كفعل إنساني خلاق ينتصر للحياة بمعناها الأعمق من خلال تسخير البواطن والنوازع، لنحت كلمة ترحل كما الطيور التواقة لفضاء آخر؛ وتنتصب ولو على أرض التخييل كالرايات المعجونة بدفق المشاعر والرؤى. والحرب كشكل فظيع من أشكال التدمير والطمس المتعمد تحت نوايا أيديولوجية مفضوحة دون نظر أطول وتمحيص أعمق . وعليه، فحين نثير هذه العلاقة، تتوالد الأسئلة على ساحتنا غير الشرفية بشكل مذهل: ما حدود الخلق والفعل في الكلمة الإبداعية ؟ وأين ينبغي أن يتموقع المبدع، أمام كلمته أم وراءها؟ وما هو دور المؤسسة بتلاوينها المختلفة في تبني الكلمة وتحقيق الشيوع، أعني شيوع الإنسان كخلق وعطاء.. وهي أسئلة كبرى -في تقديري- أعتبرها ملفات، لكن للأسف تفتح هذه الأخيرة في حيرة ودهشة مع الحرب وتنتهي معها بانتهاء الطلقة؛ في حين أن الحرب في العالم العربي لم تنته..؟ الحرب التي غدت حروبا، فتعددت الضحايا ضمن مسارب ودهاليز غاية في الوضوح الغريب الذي قد يغني عن أيّ غرائبيّ وعجائبيّ في الأعمال السردية التي تتوسّل الأساطير المفارقة. وهذا يعني أن التدبير بدون يد، أي أننا نضع الأسئلة لننبه ونستجدي، وبعد ذلك نضيع في دروب وعلب الواقع الفاسدة. وغير خاف هنا أن الخطب واللولبيات الإنشائية تندثر أمام طاحونة المؤسسة التي تؤسس لنفسها فقط وبكامل السلط العتيقة أو الحديثة اللبوس بكامل الغموض . حقا إن الحرب الدائرة في نقط عديدة من العالم، تحرك السواكن وطيات تاريخ الأمة العربية؛ تاريخ الأقنعة وطمس الإشكالات الحقيقية للذات العربية بين الأنا والآخر. وبفصيح العبارة هو تاريخ غدر وطعن من الخلف ولعب على الحبال وضحك على الذقون التي ترتع في بؤسها وحرمانها اليومي.. وعليه، يغلب ظني أن سؤال الحرب يثير فينا سؤال الواقع العربي ككلّ: متى كان الإبداع العربي الحديث مستوعبا لهذا الواقع، ممتلكا لروحه، وراصدا له.. وهو ما يفرض على النقاد والمبدعين إعادة طرح السؤال القديم-الجديد: الإبداع والواقع بين العلاقة والوظيفة، أي قد تتعدد الإجابات والقناعات بين كيف ولماذا. ولكن -في تقديري- لا ينبغي التحصّن في الإبداع كجزيرة مفارقة تماما أو القفز عاليا دون مظلات، والعلو ليس دائما سموّا، بل أحيانا يكون غفلة وتيها دون أرض أو سماء . طبعا، قد يكون الإبداع -بتعدد إيحائه وترميزه- ربيعا ضمن الأرض الخراب، وأن المطر المستقبلي آت؛ لكن من أيّ فصل وأصل. اسألوا النقدة عن لون وشكل هذا المطر دون التدثر بعباءة الطبيعة التي لا تمتّ لجبة الملسوعين بخيط . أما الآلهة فعليهم السلام وكم أغبطهم على هدوئهم أمام كل هذا الزلزال. أيّ إبداع عربي اليوم يمكن أن يستقيم فوق الزلزال؟ زلزالنا العربي الذي يضرب في كل الاتجاهات. وحتى ولو كان هذا الإبداع محاكاة بفكرة المعلم الأول أرسطو لكان زلزالا على زلزال. لكن الإبداع الآن، وهنا يمكن أن يدخلك لمتاهاته اللغوية، مهما ادعينا تحصين البنية، دون أن تعود لنفسك أو لأيّ أدب، أو لأيّ أرض.. أعني الإبداع -دون عمومية جاحدةـ الخالي من الأسئلة الحارقة، المتقوقع على ذاته كسماء سابحة، لا تقيم إلا في رؤوس أصحابها. كأن الكتابة شأن غير بشري، وبالتالي، وفق هذا المنحى الذي لا يرى إلا نفسه في المسير، ينبغي الحفاظ على سحرها المتألّه الذي يرقب وحل العالم من هناك دون التدخل في مساره ولو التراجيدي. دعني أسأل: من الأصل، الحياة أم الكتابة؟ فلنعارك قدرنا، بتصليب الأداة قولا ونظرا؛ عوض تعميتها من الداخل. شاعر وكاتب من المغرب عبدالغني فوزي :: مقالات أخرى لـ عبدالغني فوزي وضوح غرائبي, 2017/02/05 أدوار غائبة , 2016/11/13 حين يتخشب الداخل, 2016/09/24 الأوهام الراسخة, 2016/07/09 المبدع الواهم, 2016/06/19 أرشيف الكاتب
مشاركة :