بدأ منذ أيام قليلة التسجيل في حساب المواطن والذي بدوره سوف يدعم ماديا الأسر الضعيفة والمتوسطة من أجل التخفيف عن الآثار المترتبة من جراء الرفع التدريجي لأسعار الوقود والطاقة وبعض السلع المدعومة حكوميا في منتصف العام الحالي 2017 ضمن خطة برنامج التحول الوطني 2020 وحساب المواطن والدعم المالي الذي سوف يقدمه للأسر لن يكون الأداة السحرية لمعالجة الآثار المادية نتيجة رفع الدعم التدريجي عن أسعار الوقود والطاقة وغيرها. فالمواطن والأسرة والمقيم عاشوا حياة في العقود الأربعة الماضية تقوم على أساس الانفتاح في الشراء والسفر والطعام والملبس والسكن والإنفاق واستخدام الوقود والطاقة أكثر من الاحتياج ورافق ذلك الإسراف والتبذير واللامبالاة في جميع نواحي الحياة دون وعي إلى أهمية قيم الاقتصاد والاعتدال والحاجة والفائدة والادخار والأهمية والأولويات المناسبة من دون ربط بين زيادة الدخل الشهري والسنوي لأفراد الأسرة والواقع والقدرة الشرائية وتلبية الشهوات والرغبات المتنوعة . وللتحول من الحياة الاقتصادية والمعيشية المنفتحة والتي لا يحدها ضوابط واضحة ولا قيم اقتصادية ولا حدود مالية ولا سلوك مادي متزن ولا معاير أخلاقية اقتصادية علينا مراجعة هذه الحقبة من الزمن والنظر إليها بموضوعية وحيادية حول جميع الجوانب الإيجابية والسلبية من زوايا اقتصادية وقِيمية وإنسانية وأخلاقية وإسلامية ووطنية ومستقبلية . وأهم الجوانب التي يجب الوقوف عندها والتأمل فيها والتدقيق حولها هي جوانب الْهَدر والزيادة في كل شيء في حياتنا وهو ملاحظ علينا في ممارساتنا اليومية والسلوكية والمعيشية فالفرد الذي يحتاج لمصباحين في غرفة الجلوس يُشعل فيها عشرة مصابيح والأسرة التي تحتاج لطهي كيلو من الأرز تطهو كيلو ونصف منه وكمية الماء المستخدمة في استحمام الفرد تكفي لأربع مرات والملابس تُستخدم لعدة مرات ثم يُستغنى عنها والكرم في إطعام الضيوف يفوق إكرامهم بعشرة أضعاف والمصروف الشخصي لأبنائنا يذهب في شراء الحلوى والمُلهيات والتنويع في امتلاك الكماليات والأجهزة بغض النظر عن حاجاتنا وفائدتها لنا والسفر والترفيه المتكرر من دون هدف أو فائدة واستخدام السيارة حتى في الأماكن القريبة إلى المدرسة والمسجد ووجود الخدم في منازلنا والكثير منا في غير حاجة لهم وبناء المسكن بإمكانيات تفوق قدراتنا وبمساحات أكبر من حجم الأسرة واستخدامها وغيرها من الكثير والكثير . وإذا أمعنا النظر في المجتمعات البشرية المتحضرة والمتطورة وجدنا أنها تتسم بصفتين أساسيتين فالأولى إدارة وضبط الهدر في المعيشة والتقنين في الاستخدام في جميع جوانب الحياة مما يُعطي للأسرة مجالا أوسع للتحرك وحياة مقننة في كل شيء فلا إسراف ولا تبذير ولا ترف والثانية هي نتيجة للأولى وهي ثقافة الادخار لجزء من المال نتيجة أن كل زيادة في المال بدل أن تتجه إلى الهدر فإنها تذهب إلى الحفظ والادخار لمواكبة أي طارئ في حياة الأسرة وأفرادها وأيضا لتعيش حياة مطمئنة تواكب أي متغيرات اقتصادية أو بيئية أو غيرها . والمرحلة والأيام القادمة لن ينفع معها أي دعم إذا كان الْهَدْرُ سلوكا موجودا في حياتنا الشخصية والمعيشية ونحن بحاجة إلى قناعة حقيقية بعيدة عن الخيال والعاطفة أن مفتاح التحول للمفاهيم الاقتصادية والإستراتيجية والوطنية القادمة أن نترك كل هدر أو زيادة في حياتنا مهما كان هذا الهدر أو الزيادة صغيرا وأننا نستطيع أن نأكل بلا زيادة ونستخدم الكهرباء بلا هدر ونكرم ضيوفنا بلا إسراف ونشتري حاجاتنا بلا تبذير ونتعامل مع الماء باقتصاد .
مشاركة :