لا يخفى على أحد أن الحكومة العراقية خلال فترة رئيس الوزراء نوري المالكي كانت تدار من إيران؛ لذا فقد استبشر العرب خيرًا بقدوم رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي في بداية الأمر، لكنهم ما لبثوا أن اقتنعوا بأن إيران باتت تهيمن على العراق في المجالات كافة، وكان آخرها تعيين إيرج مسجدي سفيرًا لها في العراق. وقد أصاب وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان بوصفه بمجرم الحرب. في الواقع، إن المتابع للشأن العراقي يتضح له ما يعانيه هذا البلد من التدخل الإيراني الواضح، وانتهاك السيادة؛ فعلى الجانب السياسي نذكر ما صرح به مستشار الرئيس الحالي حسن روحاني للشؤون الدينية والأقليات ورئيس الاستخبارات سابقًا علي يونسي عندما قال «إن إيران إمبراطورية، عاصمتها بغداد»، و»إن جغرافية إيران والعراق غير قابلة للتجزئة، وثقافتنا غير قابلة للتفكيك؛ لذا علينا أن نقاتل معًا أو نتحد». للأسف، كان الرد العراقي على لسان وزير الخارجية إبراهيم الجعفري باهتًا، ولا يرقى للمسؤولية. والحق، إن كلام يونسي له ما يبرره على أرض الواقع؛ فعندما تكون الحكومة العراقية مؤلفة من أشخاص مثل هادي العامري وزير النقل السابق وعضو البرلمان العراقي الذي لا يعرف العراقيون عنه شيئًا إلا بعد أن تولي هذين المنصبين، وإن كان في بلده العراق غير معروف لكنه في إيران كنار على عَلم، ويمتلك شخصية سيئة، لكن سيرته الذاتية حسنة لدى إيران؛ فهو يسمى في إيران «شيخ المجاهدين»، بل الأصح القول إنها هي من شكلت شخصيته حتى أصبح قائد الجيش المليشي الطائفي المسمى الحشد الشعبي الذي يتخذ من محاربة تنظيم داعش ذريعة لتوسعة وقمع مخالفيه على المستويَيْن السياسي والمذهبي. وما من شك في أن استراتيجية إيران، التي ينفذها الحرس الثوري في العراق وسوريا، هي خطة متصلة، تؤدي إلى هدف واحد، يندمج فيها المذهبي بالسياسي؛ لتتناغم مع نظرية ولاية الفقيه. يقول العامري عن نفسه «أنا أعتقد جديًّا بولاية الفقيه منذ البداية، ومن مقلدي الشهيد محمد باقر الصدر، وبعض الفتاوى أخذتها من الإمام الخميني، والآن أنا مقلد مولانا الخامنئي». وبحسب العامري، فالمرشد الإيراني السيد الخامنئي «ملهم لجهاد الشعب العراقي». ويقول عن عائلته «أولادي مقلدون للإمام الخامنئي، ويحبونه كثيرًا، ومعتقدون بنظام الجمهورية الإسلامية». ويفتخر بعلاقاته مع أركان النظام الإيراني وقادته فيقول: «كان لي تعاون مع قادة الحرب الإيرانيين ضد صدام، وتعلمنا سويًّا، وكنا إلى جانب بعضنا، ولي معهم علاقات، وهم أشخاص مثل (حسن دانائي فر) السفير الحالي في العراق، وقادة آخرين مثل سلامي وذو القدر وقاسم سليماني ووحيدي وجعفري وشمخاني ومحسن رضائي». ولو اطلعنا على الأشخاص الذين ذكرهم العامري لأدركنا حجم السيطرة الإيرانية على العراق؛ فالعميد حسين سلامي نائب قائد قوات الحرس الثوري، وقاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، وأحمد وحيدي وزير الدفاع السابق في حكومة أحمدي نجاد وحاليًا رئيس مركز الدراسات الدفاعية الاستراتيجية للنظام ورئيس لجنة الدفاع والأمن في مجمع تشخيص مصلحة النظام، وعلي شمخاني سكرتير الأمن القومي الإيراني وممثل المرشد في هذا المجلس، ومحسن رضائي الأمين العام لمجمع تشخيص مصلحة النظام ورئيس الحرس الثوري السابق. كل ذلك يثبت أن كلام يونسي لم يكن زلة لسان، بل كان يتحدث عن الواقع، حتى الحكومة الإيرانية تجاوزت عن تصريحاته تلك. كما أن ذلك يثبت أن هادي العامري والعديد من المسؤولين في الحكومة العراقية هم ممثلو إيران في العراق، وهم أدواتها التي ساعدتها في السيطرة على العراق، وهذا ما يؤكده قائد فيلق القدس قاسم سليماني في معرض حديثه عن القتال في سوريا، وكيف استفادت إيران من مرجعيتها الدينية، وحوّلتها إلى مرجعية سياسية. يقول الجنرال سليماني حرفيًّا «إن مرجعية الشيعة السياسية لإيران تعطي لإيران قوة مضاعفة». على الجانب العسكري يتضح من كل المعطيات والتكوين والأسلوب أن الحشد الشعبي سيكون نواة لتشكيل حرس ثوري عراقي شبيه بذلك الموجود في إيران. يقول العامري في هذا الصدد «وضعنا شبيه بالحرس الثوري الإيراني في الحرب مع صدام؛ فنحن نتعلم أثناء الحرب». ومع هذا كله، فإن إيران لم ولن تغفل - ضمن حساباتها - الجانب الاقتصادي؛ إذ ترى أن التدخُّل قد أتى ببعض الثمار؛ ففي رد القيادة الإيرانية على المعارضة الداخلية التي ترى عدم جدوى التدخل في الساحتين العراقية والسورية، وتشير إلى تأثيره السلبي على الاقتصاد الإيراني، يقول الجنرال سليماني بكل بجاحة «لا تعتقدون أننا ننفق على العراق. نحن الآن لدينا تبادل تجاري مع العراق في حدود 12 مليارًا، وسيصل إلى 30 مليارًا. وفي السنة الماضية جاء إلى إيران مليون ومائتا زائر، ينفق كل منهم هنا من 3000 إلى 5000 دولار». بعد كل هذه الأقوال ماذا بقي من سيادة العراق يا سادة العراق؟
مشاركة :