رفضت هيئة كبار العلماء في مصر (أعلى هيئة دينية بالأزهر) دعوة أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، لإصدار قانون ينظم الطلاق الشفوي ويشترط توثيقه للاعتراف بوقوعه. وأقرت الهيئة بالإجماع أمس، برئاسة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، وقوع الطلاق الشفوي دون اشتراط توثيق أو إشهاد. وقالت الهيئة: «ليس الناس الآن في حاجة إلى تغيير أحكام الطلاق، بقدر ما هم في حاجة للبحث عن وسائل تُيسر سبل العيش الكريم». وكان السيسي قد دعا إلى إصدار قانون ينظم حالات الطلاق الشفوي، بعد ارتفاع معدلات الانفصال بين المصريين خلال الفترة الأخيرة، والتي بلغت وفقا لتقارير رسمية 900 ألف حالة سنويا، 40 في المائة منهم ينفصلون بعد مرور 5 سنوات. ويرى الرئيس المصري، أن «إصدار قانون ينظم حالات الطلاق الشفوي من شأنه أن يُعطي الفرصة للأزواج لمراجعة قرار الانفصال». وسأل السيسي حينها شيخ الأزهر، خلال حضورهما معا الاحتفال بعيد الشرطة، قائلا: «هل نحن يا فضيلة الإمام بحاجة إلى قانون ينظم الطلاق بدل الطلاق الشفوي، لكي يكون أمام المأذون، حتى نعطي للناس فرصة تراجع نفسها، ونحمي الأمة بدل تحولها لأطفال في الشوارع بسلوكيات غير منضبطة؟». وقالت الهيئة أمس، إن «العلاج الصحيح لهذه الظاهرة يكون في رعاية الشباب وحمايتهم من المخدرات بكل أنواعها، وتثقيفهم عن طريق أجهزة الإعلام المختلفة، والفن الهادف، والثقافة الرشيدة، والتعليم الجاد، والدعوة الدينية الجادة المبنية على تدريب الدعاة وتوعيتهم بفقه الأسرة وعظم شأنها في الإسلام؛ وذلك لتوجيه الناس نحو احترام ميثاق الزوجية الغليظ ورعاية الأبناء، وتثقيف المقبلين على الزواج». وأثارت دعوة الرئيس الجدل في الأوساط الدينية، واختلفت وجهة نظر علماء دين بمصر حول دعوة الرئيس، حيث يرى بعضهم أن إقامة مشروع لا يجيز الطلاق إلا بوثيقة أمر غير شرعي، وأن صدور قانون للطلاق الشفوي سيخلق مشكلات لا حصر لها، منها أن يطلق الرجل زوجته عدة مرات ولا يقوم بتوثيق الطلاق. بينما يرى آخرون أهمية إصدار القانون للحد من حالات الطلاق، وأن مصر تأخرت في إصدار قانون يحد من الطلاق الشفوي منذ أن أقرت الزواج الرسمي مطلع أغسطس (آب) عام 1931، وأن إصدار القانون يمنع التجارة بالدين والعبث به من خلال قيام الزوج بتطليق الزوجة عدة مرات، ثم يقوم باللجوء للحصول على فتوى لاستمرار الزواج أو البحث عن محلل. وأعلنت «الدينية» بمجلس النواب (البرلمان) استجابتها لدعوة السيسي، وأعلنت قيامها بإعداد قانون لتنظيم الطلاق الشفوي. وأثنت اللجنة الدينية على اقتراح السيسي باعتباره أبلغ دليل على اهتمامه بالأسرة المصرية وترابطها. وقالت اللجنة الدينية على لسان أمين سرها عمرو حمروش، إن «اقتراح الرئيس أعاد الأمل لقلوب المصريين، خاصة الأزواج والزوجات والأطفال الذين يعانون مشكلات جمة بسبب انفصال آبائهم عن أمهاتهم». وهيئة كبار العلماء هي أعلى مرجعية دينية تابعة للأزهر، وأنشئت عام 1911 في عهد الشيخ سليم البشري شيخ الأزهر حينها، ثم تم حلها عام 1961 في عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، وأعيد إحياؤها بعد ثورة «25 يناير»، عام 2012 بموجب القرار بقانون الصادر من مجلس الوزراء آنذاك، وصدق عليه المجلس الأعلى للقوات المسلحة باعتباره الحاكم للبلاد في ذلك التوقيت، وأسند إليها اختصاصات لم تكن موجودة من قبل، وكان أهمها انتخاب شيخ الأزهر، وترشيح مفتي الديار المصرية، والبت في الأمور الدينية واعتبارها مرجعية لكل ما يتعلق بالشؤون الإسلامية. واجتمعت هيئة كبار العلماء أمس بحضور الدكتور شوقي علام مفتي البلاد، بعد أن وجهت له الهيئة دعوة للمشاركة في مناقشة موضوع الطلاق الشفوي. وقالت مصادر مطلعة، إن «ما توصلت له الهيئة أمس بخصوص الطلاق الشفوي هو إعلان ما توصلت إليه لجان الهيئة، وما أسفرت عنه مناقشات الأعضاء، بخصوص تلك القضية التي شغلت الرأي العام الفترة الماضية، وتحديدا عندما استفسر الرئيس السيسي من شيخ الأزهر عن إمكانية عدم وقوع الطلاق إلا أمام مأذون». وقالت هيئة كبار العلماء، في بيان لها حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إن «وقوع الطلاق الشفوي المستوفي أركانه وشروطه، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق، هو ما استقر عليه المسلمون منذ عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) وحتى يوم الناس هذا، دون اشتراط إشهاد أو توثيق». مضيفة أن «على المُطلّق أن يُبادر لتوثيق هذا الطلاق فور وقوعه، حفاظا على حقوق المُطلقة وأبنائها... ومن حق ولي الأمر شرعا أن يتخذ ما يلزم من إجراءات لسن تشريع يكفل توقيع عقوبة تعزيرية رادعة على من امتنع عن التوثيق أو ماطل فيه؛ لأن في ذلك إضرارا بالمرأة وبحقوقها الشرعية». وناشدت الهيئة جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها الحذر من الفتاوى الشاذة التي ينادي بها البعض، حتى لو كان بعضهم من المنتسبين للأزهر؛ لأن الأخذ بهذه الفتاوى الشاذة يوقع المسلمين في الحرمة. وحذرت الهيئة، في بيانها أمس، المسلمين كافة من الاستهانة بأمر الطلاق، ومن التسرع في هدم الأسرة، وتشريد الأولاد.
مشاركة :