"الزمن والغرفة" عمل مسرحي ألماني فرنسي يخلط الماضي بالحاضر بقلم: أبو بكر العيادي

  • 2/6/2017
  • 00:00
  • 26
  • 0
  • 0
news-picture

الزمن والغرفة عمل مسرحي ألماني فرنسي يخلط الماضي بالحاضر كيف يمكن تنظيم عالم في عمل مسرحي يخلط الماضي بالحاضر، ويتقاطع أبطاله دون أن يلتقوا فعلا، ويبدو الوجود مثل كشكول فُكّت خيوطه عمدا؟ في المسرح الوطني للهضبة بباريس، ينجح ألان فرنسون في الربط بين الفضاء الزمني الهارب لدراما متشظية من تأليف الألماني بوتو شتراوس بعنوان الزمن والغرفة، ويضفي عليها نوعا من الإشراق. العربأبو بكر العيادي [نُشرفي2017/02/06، العدد: 10535، ص(16)] علاقات متشظية بشخصيات متقاطعة الألماني بوتو شترواس (المولود بناومبورغ عام 1944) من أكثر المؤلفين المسرحيين الألمان حضورا على خشبات المسارح الأوروبية، وهو إلى ذلك ناقد مسرحي، مارس النقد منذ صغره في مجلة “المسرح اليوم” قبل أن ينتدبه مدير شوهبونه ببرلين المخرج العالمي بيتر شتاين. بدأ شتراوس مسيرته بترجمة واقتباس نصوص لإبسن ولابيش وغروكي، ثم انتقل إلى التأليف، فكتب “ثلاثية الوداع”، و”كبير وصغير”، و”الأبواب السبعة”، تعكس كتاباته الحياة في مجتمعاتنا المعاصرة، وتحوم حول ثيمات الوحدة والانغلاق وعدم التواصل، وهي نفسها الحاضرة، تلميحا أو تصريحا، في مسرحية “الزمن والغرفة” التي يعرضها حاليا المسرح الوطني للهضبة بباريس. ليس من السهل تلخيص هذه المسرحية، لأنها تبعثر قواعد السرد المتعارف عليها، ولا تستثير في الغالب أي انفعال، وكذلك لأن شخصياتها يمكن اعتبارها كائنات من لحم ودم تتحرك وتفكر، مثلما يمكن النظر إليها كمشخّصات جامدة لا توحي إلاّ بما نضفيه عليها. تنفتح الستارة الوهمية على رجلين هما يوليوس وأولاف، وهما في وضع نقاش حول ما يشاهدانه عند أسفل الغرفة التي يوجدان بها، والتي لا نعرف بالضبط ما إذا كانت غرفة كما يوحي بذلك العنوان أم ردهة فندق. “ألم تنظر بعد عبر النافذة؟”، يقول يوليوس وكأننا نسمع صوت بيكيت، فالرجلان هنا يذكران بفلاديمير وإستراغون وهما ينتظران غودو، وإن كانا يكتفيان بالنظر من النافذة، ويعلقان بالتناوب على ما يشاهدانه. يتحدث يوليوس مثلا عن الثلج والقاذورات والحمام والمطرقة الثاقبة، معلقا إنه “يوم يمر في تخوم اللاشيء”، ثم يركز نظره على امرأة ذات جوارب سوداء مسرولة وصدار أخضر مذهّب، وما كاد يصف لصديقه ما رأى حتى رن الجرس وإذا المرأة ذات الجوارب السوداء المسرولة والصدار الأخضر المذهّب تطل وتسأل “تحدثت عني؟ ماذا قلت؟ وماذا تعرف عني؟”. هذه المرأة التي لا نعرف عنها إلا أن اسمها ماري ستويبر، ستظل على مدى العرض تظهر (وتختفي) كصورة خيالية ممكنة عن المرأة العشيقة، والمومس، والحريفة، والمسافرة، وامرأة الأعمال، وحتى مجرمة في طور التكوين. المسرحية تتحدث في نبرة جادة تتخللها السخرية المرحة عن الجنون وضياع علائم الاستدلال في عالمنا اليوم من هنا تنطلق المسرحية في نسق محموم لا يكاد المتفرج يمسك بأطرافه، وكأنه أمام شاشة سمارتفون تتعدد فيها المشاهد في وقت قياسي، وينفتح الباب عدة مرات كي تدخل شخصيات مختلفة: الرجل الذي ذهب لاستقبال ماري ستويبر في المطار فأخطأها، والرجل الذي يؤكد أنه أضاع ساعته في هذه الغرفة بعد سهرة خمرية لم تقع، والمرأة التي تودّ أن ترى الرجل بلا ساعة الذي غازلها البارحة، وهكذا دواليك. وفي الجزء الثاني تحتل ماري ستويبر مكان يوليوس وأولاف في صالون الغرفة، وتجلس عارية لتروي بدورها حكايات لم ترها من النافذة، بل ابتدعتها أو قرأتها في صحيفة، كحكاية الرجل الذي انتشل امرأة نائمة من فندق يحترق، وإذا بالباب يفتح فجأة فتظهر المرأة النائمة والرجل الذي أنقذها… كذلك تدور الأحداث وكأن كل تلك “الشخصيات” تلتقي أو تتنافر، وتتقارب أو تتصادم، وتتجاذب أو تتدافع دون سابق تخطيط مثل هباءات متموجة داخل حقل مغناطيسي. وسط تلك اللقاءات المتشظية، الهاربة دوما دون منطق ظاهر، تتحدث المسرحية في نبرة جادة تتخللها السخرية والنزوة المرحة عن الجنون وضياع علائم الاستدلال في عالمنا اليوم. وقد اختار بوتو شتراوس أن يحطم أسس البنية الكلاسيكية (تصعيد، ذروة، حدث مفاجئ، انفراج، مع الحفاظ على وحدة الزمن والفعل) ليتبع مسارا طريفا مسليا لا يخضع لخطية متواصلة، ويفتح على عدة احتمالات كالتأويلات والأحلام والسير الذاتية مع تشكيلات تفرضها الصدفة وحدها. هذا الجهاز النظري، الذي نجده في الموسيقى والفنون التشكيلية وقلّ نظيره في المسرح، يهدف إلى تكثيف الزمن الحاضر، وجعل المشاهد مشحونة في بدايتها على أن تنتهي وفق تقنية القطع في السينما. المسرحية غريبة، معقدة، وإن كنا نلمس فيها صورة عمّا صار عليه المجتمع الغربي اليوم، مجتمع دائم الحركة، كثير الاضطراب، عاجز عن فهم ذاته، تولّد لديه الإخفاقات والنقائص نوعا من العبثية الهاذية، التي تثير السخرية، وقد نهض لها باقتدار المخرج ألان فرنسون الذي اعتاد التعامل مع كبار المؤلفين المعاصرين أمثال صامويل بيكيت وميشيل فينافر وإدوارد بوند وبيتر هندكه، مثلما أدار بامتياز طوال أعوام المسرح القومي للهضبة قبل أن يؤسس فرقته الخاصة “مسرح سحب الثلج”. لقد حاول أن يسهّل مقروئية نص لا زمنية له، نص فصل فيه كاتبه الحيز الزمني والحيز الجغرافي، والحال أنهما منذ أرسطو لا ينفصلان، هدفه الحديث عن فوضى العالم وفقدانه إنسانيته. نص تبدو وجوهه الذكورية والأنثوية قد استلت بغتة من العدم، ثم أعيدت إليه بنفس السرعة المباغتة، بعد مواجهات ودية أو عدائية أو لا مبالية، كل ذلك في مكان محصور (غرفة) وغير محدد بزمن ولا هوية. :: اقرأ أيضاً صور قلميّة عن صناع الحياة اليومية في مصر على مر العصور المربد الشعري يحتضن الموسيقى والغناء والفن التشكيلي الحياة اليومية تحت مجهر النقد والتفكير أعلام الرواية اليابانية وأبرز ملامحها في كتاب نقدي

مشاركة :