لم يعد العمل الحزبي داخل الجامعات العراقية يشبه ما كان عليه في الماضي، عندما كان حزب «البعث» يفرض هيمنته على الطلاب والهيئة التدريسية. فالتنافس الذي يقع بين الشباب العاملين مع الحزب، أو الأساتذة المنتمين إليه، كان يقتصر على التسابق في تقديم الولاء للحزب للحصول على مكاسب مالية أو ترقية في العمل. أما اليوم فالوضع بات يختلف تماماً. الشباب المنتمون إلى التيارات والأحزاب الحالية معظمهم يقومون بنشر أفكار تلك الأحزاب بين رفقائهم لضمهم إلى الجهة الحزبية التي ينتمون إليها وتقوية أرضية الحزب في الجامعة، كي يكون قادراً على منافسة الأحزاب الأخرى التي تعمل بالطريقة ذاتها وإن اختلفت سبل استمالة الشباب إلى هذه الجهة أو تلك. الأحزاب الإسلامية التي تقودها زعامات سنية وشيعية على السواء، تستقطب الطلاب عبر الترويج للعقيدة أو المذهب، باستخدام طرق تسقيط الآخرين، وهي وإن لم تكن مدعومة من مرجعية دينية مباشرة، لكنها تعتمد في الترويج لنفسها على مبدأ اتباع المرجعية، وهو مبدأ أساسي لاستقطاب الطلاب المتشددين دينياً، في وقت لا تزال الأحزاب البعيدة من الطابع الديني ضعيفة في الجامعات. وفي السنوات الأولى التي تلت تغيير عام 2003 كان العمل الحزبي بمعظمه يقتصر على الطلاب الذين باتوا بين ليلة وضحاها يعملون مع أحزاب إسلامية، وكان هذا الانتماء والنشاط مستهجنين من قبل الأساتذة الجامعيين، لا سيما بعدما تعرض عدد منهم للتصفية والاعتداء على يد طلابهم. واتخذت بعض رئاسات الجامعات في العراق قرارات تقضي بإبعاد الجامعات عن الأحزاب السياسية والعمل السياسي، خصوصاً في جامعات بغداد والمستنصرية، لكن تلك القرارات كانت شبه معطلة، بل ان الأمر خرج عن يد الجميع، حينما بدأ الأساتذة أنفسهم ينتمون إلى الأحزاب، بل ويمثلونها ويتحدثون باسمها وإن في شكل غير رسمي. هذا التغيير في سلوك الأساتذة ولد مرحلة جديدة من العمل الحزبي وأصبح بعضهم يدير الصراعات الحزبية داخل الحرم الجامعي. وبات فوز أحد المرشحين لعمادة كلية ما يعتمد على الحزب الذي ينتمي إليه. وإلى ذلك، باتت الجامعات تصنف تدريجياً على أنها سنية أو شيعية ومعظم أساتذتها يتصارعون على المناصب طبقا للأحزاب التي ينتمون إليها وهي في الأساس تعيش صراعاً أيديولوجياً وفكرياً، لا سيما في المحافظات العراقية حيث باتت استقلالية الأستاذ أمراً نادراً. والواقع أن الأمر لا يقتصر على الأستاذ الجامعي العادي، بل ان النظام الداخلي لعمل الجامعات أصبح جزءاً من نظام المحاصصة المعمول به في البلاد منذ سنوات. وانضوت كل جامعة تحت لواء حزب معين يقوم بترشيح رئيس لها، أو يعين بديلاً منه كجزء من تسوية سياسية من دون الأخذ بالمؤهلات العلمية أو متطلبات العمل، وظهر بهذه الطريقة عمداء ورؤساء جامعات لا علاقة لهم من قريب أو من بعيد بالاختصاص الذي يديرونه، وهذا بدوره ولد أزمة جديدة في الجامعات. الطلاب والأساتذة العاملون في الحزب ذاته غالباً ما يتحالفون لأجل توحيد المصلحة ولتقوية مواقفهم أمام الأساتذة والطلاب العاملين مع أحزاب أخرى، قد تكون منافسة أو مرفوضة جملة وتفصيلاً، وتبدو الأحزاب القوية على الساحة هي الأشد جذباً لشريحة الطلاب والأساتذة معاً، لكن المشكلة الرئيسة في الموضوع هي عدم إبعاد الانتماء الحزبي عن العمل، بل ان الانتماء الحزبي بات معلناً والصراعات تتزايد في شكل كبير. حتى أنها باتت تهدد المناصب والترقيات ما دفع الأساتذة المستقلين إلى الابتعاد من حلبة الصراع، فيما اكتفى بعضهم بإعطاء حصته والابتعاد من كامل الجو الأكاديمي. لكنهم وعلى رغم ذلك، يتعرضون لاستقطاب مفروض عليهم لهذه الجهة أو تلك، لا سيما حينما يجبرون على إبداء رأيهم بمشكلة بين أستاذين أو عميدين أو رئيسي جامعة، كل واحد منهما ينتمي إلى حزب مختلف.
مشاركة :