طرابلس تسهر في رمضان حتى الصباح

  • 7/28/2013
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

لرمضان في طرابلس اللبنانية نكهته وطقوسه الخاصة التي ينتظرها أبناء المدينة، طقوس تجمعهم بل تجمع أبناء شمال لبنان: مسلميه ومسيحيه، فقراءه وأغنياءه. ولعل أروع أيام طرابلس، التي عشتها، هي أيام شهر الصوم، والتجول في أسواقها القديمة ومقاهيها العتيقة والحديثة. حيث يتحول ليل المدينة إلى نهار، وتسود فيها روح الألفة والوفاق والتسامح. ولرمضان في طرابلس نمط وإيقاع محددان يبدآن من لحظة الإفطار على حبة تمر وكوب ماء فالحساء والفتوش والفتة الطرابلسية وصولا إلى الحلويات التي لا يأكلها أبناء المدينة إلا في هذا الشهر، كالكرابيج والبصمة وورد الشام، ثم تأتي صلاة التراويح بعد صلاة العشاء فتكتظ المساجد بروادها ويبتهل الناس إلى الله طالبين مغفرة ما تقدم من الذنوب وما تأخر، فصلاة الوتر بعد التراويح لينطلق الكل إلى يوم جديد حيث يتزاور الأهل والأصدقاء والأحبة ويرتادون معا المقاهي التي تتميز بتقديم المشروبات الرمضانية في هذا الشهر بالذات، من خرنوب وعرق سوس وتمر هندي وقمر الدين. ويظلون خارج بيوتهم حتى تدنو ساعة السحور، حيث ينتقل واحد من كل عائلة إلى باب الرمل لإحضار الكعك الطرابلسي، من أفرانها والجبنة والحالوم والسماق. فلطعم الكعك والجبن في رمضان ما يغني عن أفخر المآكل وألذها، لذا لا يتوقف الناس عن تناوله يوميا ويتغنى بعضهم بزيادة التمر أو المربيات عليه. لكن لم نكن نبدأ بالأكل قبل مرور المسحراتي الذي يجول شوارع المدينة مع رفيقيه، حاملين الطبلة والصاج والقنديل لإيقاظ الناس أو لتنبيههم إلى دنو ساعة السحور ينادي «أهل البلد» بأسمائهم. فيطلب المسحراتي من أبي عمر الاستيقاظ ومن أبي رشيد ومن الحاج محمد، وتحت بعض البيوت الميسورة ينتظر حتى يلوح له صاحب الدار ليتأكد أنه أيقظه. يتسحر الناس وينتظرون صلاة الفجر، فيقرأون القرآن الكريم قبل الأذان، ويصلون وينامون على نية صيام اليوم التالي. ولا يمكن أن أنسى صلاة القيام التي تبدأ في العشر الأخير من الشهر والتي يؤديها أهل طرابلس من ذكور وإناث في أغلب مساجد المدينة. وعند الصبح نذهب إلى أعمالنا المعتادة بتأخر يزيد على الساعة نتيجة تغيير نظام الأكل والنوم في رمضان. ليلة إثبات العيد، إذا حصلت في التاسع والعشرين من رمضان تتصل بصبحية العيد دون أن تشعر الأسواق بالفارق بين الليل والنهار، تلك الأسواق التي تفتح في العشر الأخير من الشهر الفضيل إلى ساعات الفجر الأولى، ويقول تجار المدينة إن شهر رمضان يوازي شهرين من العمل أو أكثر وقد يصل عند بعض المهن إلى تأمين نصف دخل السنة. فيزدهر الاقتصاد وتطغى مظاهر الغبطة على وجوه تجار المدينة وكل أهلها. طرابلس، مدينتي التي عانت خلال الأعوام الأخيرة من أحداث مؤسفة وضعتها على قائمة الأولويات في نشرات الأخبار تتطلع إلى أيام أكثر أمانا وإلى عودة مؤسسات الدولة للقيام بواجبها لضبط الأمن المنفلت ولإيقاف كل صراع دموي عبثي عرفته المدينة منذ عقود ثلاثة سبب القتل والأذى لأبنائها وعرض اقتصادها لأكبر الأضرار. في طرابلس نتطلع إلى شهر رمضان هذا العام كما في كل عام أن يكون خاتمة أحزان المدينة وخاتم جروحها والجامع بين أهلها كما الجامع بين كل اللبنانيين. * مستشار رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي

مشاركة :