يدفع أهالي مدينة الرقة، معقل تنظيم داعش في الشمال السوري، ثمن الحرب المفتوحة عليه من أرواحهم وبنى مدينتهم التحتية، حتى إنّهم يتحضرون للتعايش مع حصار يطبق عليهم بعد قصف معظم الجسور التي تصلهم بالعالم الخارجي وبقاء منفذ وحيد لهم للهرب باتجاه مناطق سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» في تل أبيض والريف الغربي للرقة. وبعد تدمير طيران تابع للتحالف الدولي في الأيام القليلة الماضية الجسرين الرئيسيين القديم والجديد في المدينة، باتت الرقة تلقائيا معزولة وبشكل كامل عن الضفة الجنوبية لنهر الفرات، خاصة أن التحالف قد دمر في وقت سابق عددا من الجسور الفرعية في ريف المدينة كـجسر بلدة السلحبية ومزرعة الأنصار غربي المدينة بالإضافة لجسري الكالطة والعبارة شمال المدينة، والجسر الحربي شرقا، بحيث بقي سد الفرات غربي الرقة بـ50 كلم إلى جانب سد الرشيد في بلدة المنصورة المنافذ الوحيدة بين ضفتي النهر في محافظة الرقة. وفيما يرد التحالف اتباعه سياسة تدمير الجسور التي تقع في مناطق سيطرة «داعش»، إلى تضييق الخناق على التنظيم وعرقلة تحركاته، يؤكد ناشطون وسكان الرقة أن هذه السياسة «تعود بالضرر على المدينة والمدنيين وحدهم، ولا تضر بـ«داعش» إطلاقًا، حيث إن تدمير الجسور شل حركة سكان المدينة ولم يؤثر على «داعش» بشيء، باعتبار أن عناصره يملكون أساليبهم الخاصة للتنقل بين الضفتين عبر قوارب وعبّارات، كما يحدث في دير الزور، في وقت يعجز فيه الناس عن العبور إلا بهذه الأساليب التي ستتسبب بأزمة بسبب قلتها، ما سيجعل أسعارها مرتفعة وسط حالة فقر مدقع بالإضافة لخطورتها وخشية مستقليها من الاستهداف من قبل الطيران الدولي. ويشير أبو محمد الرقاوي الناشط في حملة «الرقة تذبح بصمت» في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن تدمير الجسور «ينعكس ارتفاعا جنونيا بالأسعار لم يعد سكان المدينة قادرين على التأقلم معه»، لافتا إلى أن «التحالف لم يترك أمام الأهالي إلا منفذا وحيدا للهرب باتجاه مناطق سيطرة (قوات سوريا الديمقراطية) وبالتحديد باتجاه الشمال أي اتجاه تل أبيض أو باتجاه الريف الغربي». ولا يقتصر استهداف البنى التحتية في الرقة على الجسور بل يطال شبكتي المياه والكهرباء، أي الشرايين الرئيسية للحياة، على حد تعبير أبو محمد الذي أضاف: «هناك حاليا أعطال كبيرة في شبكة الكهرباء، أما المياه التي انقطعت بشكل كلي عن المدينة في الأيام الماضية عادت تدريجيا إلى نصفها فقط بعد قيام (داعش) بإصلاح الأنابيب التي دمرتها طائرات التحالف باستهدافها الجسر القديم، حيث الخط الرئيسي للمياه». ويعود بناء الجسر الجديد في الرقة إلى ستينيات القرن الماضي حيث يبلغ طوله قرابة الـ500 متر بعرض 16 مترا بأربعة مسارات، خصص اثنان منها للسيارات واثنان آخران للمشاة، في حين يعود تاريخ إنشاء الجسر القديم إلى ثلاثينات القرن الماضي بعرض يصل إلى 10 أمتار بالإضافة لحمله خطوط المياه التي تغذي الجزء الجنوبي والشرقي من المدينة، حيث يقع هذان الجسران جنوب المدينة وتقدر المسافة بينهما بـ5 كلم. وكان النظام السوري، اتهم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، بتدمير البنى التحية في سوريا، من خلال استهداف طيران التحالف جسري الرقة القديم والجديد وتدميرهما، إلى جانب استهداف خطوط المياه، ما تسبب بتوقف ضخ المياه عن كامل مدينة الرقة شمال شرقي سوريا. وقالت وكالة «سانا» الرسمية، إن «غارات التحالف الأميركي استهدفت أيضًا جسري قرية الكالطة والعبارة، ما أدى إلى تدميرهما بالكامل». وبحسب المحلل العسكري السوري عبد الستار سلوم فإن «الغاية من تدمير الجسور في الرقة هي إضعاف مناورة التنظيم وتحركه بين مدينة الرقة وريفها بالآليات العسكرية الثقيلة، أي بين الضفتين الجنوبية والشمالية لمدينة الرقة التي يتخذها (داعش) معقلاً رئيسيًا له»، لافتا في تصريح لوكالة «آرا نيوز» إلى أن «تدمير الجسور في المنطقة لن يوقف تحركات تنظيم داعش بشكل نهائي، بل سيؤثر على إمداد التنظيم بين المدينة والريف بشكل كبير، وهذا سيساعد القوات التي تدعمها واشنطن بالتغلب على التنظيم أثناء المعارك».
مشاركة :