تتكرر كلمة توعية في أي حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتكثر في الحملات الصحية التي تستهدف التوعية بمرض ما، وغالباً ما ترتبط بأشهر وأيام محددة، وربما لون، أو شعار عالمي لهذا المرض، وتحفز الجماهير على دعمها من خلال تغيير الصور الشخصية، أو ترميزها بلون محدد. الجميل أن هذه الحملات تلقى حماساً وقبولاً كبيراً من الناس، لكنها تخلق تساؤلاً لدى المختصين في الشأن الصحي عن جدواها في خلق توعية صحية حقيقية بالمرض، أي بمعنى: هل هذه الحملات أخرجت لنا أفراداً بوعي أعلى حول المرض ومسبباته؟ هل تحركوا خطوات عملية تجاه صحتهم، وقاموا بإجراء وقائي ضد هذا المرض، وغيَّروا سلوكهم السيئ «صحياً» إلى سلوك إيجابي؟ الجهود التي تبذل في هذا المجال للفت انتباه الرأي العام والإعلام من خلال الزخم الجماهيري تفيد في تحقيق أهداف عديدة، لكن من الصعب أن تخلق توعية حقيقية ومؤثرة، تجعلنا نعتمد عليها في زيادة الوعي الصحي، فهذه الحملات تساهم في خلق تعاطف وتفاعل بين الناس لتقديم الدعم المعنوي للمرضى، كما تخلق اهتماماً إعلامياً يشكل ضغطاً، ويساعد في تغيير سياساتٍ وإجراءاتٍ في صالح المرضى، كما تساهم في زيادة الموارد المالية، أو البشرية. لكن حتى نحصل على توعية صحية حقيقية، نحتاج إلى جهود أكثر تعقيداً، وطويلة الأمد، وعلى أكثر من صعيد، لنتوقع تغييراً جذرياً في سلوك الأفراد تجاه صحتهم، لأن التوعية الصحية الحقيقية المؤثرة تتجاوز العلم بأن أشياء محددة تسبب مرضاً معيناً إلى القدرة على خلق تغيير في سلوك الناس، وتحويل أسلوب الحياة غير الصحي إلى نمط صحي، هذا الأمر يتطلب جهوداً جبارة، تتكاتف فيها جهات عديدة على رأسها وزارة الصحة التي تحمل هم الحد من الأمراض المزمنة، هذه الأمراض التي يكلف علاجها الدولة مليارات الريالات، لا سيما أن التحول الوطني للوزارة بأهدافه الاستراتيجية الـ 15 ركز على الشق الوقائي قبل العلاجي في تحديد الأهداف. مع كل هذا، تحتاج هذه الجهود إلى أن تمر بمواقع التواصل الاجتماعي في مرحلة من مراحلها لأجل الوصول إلى الناس، وحتى تصل إلى الأفراد من خلال «تويتر، وسناب شات، وإنستجرام» لابد أن تصنع مادة ومحتوى يتناسبان مع طابعهم الذي يغلبه الترفيه والمتعة، ويجذبان المتلقي حتى يتفاعل مع هذه الحملات، وبالتالي تخلق التغيير المنشود، وهذا تحدٍّ آخر للتوعية الصحية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث إن المحتوى الصحي صعب ومعقد، ولا يستساغ بسهولة مع ضرورة الاهتمام بتبسيط المعلومة الصحية قدر الإمكان والمحافظة على دقتها، موازنة صعبة! عديد من التحديات أمام مهمة رفع الوعي الصحي، والأمر يتجاوز ما هو أكثر من تغيير الشعارات والألوان، ولا خيار سوى بذل جهود أكبر، والاستثمار دائماً في تجديد الأفكار والوسائل، ومواكبة تغييرات وسائل الاتصال مع تكامل الجهات والمؤسسات المعنية، وعلى مستوى مؤسسي لصنع تغيير حقيقي في المجتمع حتى نصل إلى ما نصت عليه «رؤية 2030»: «مجتمع حيوي بيئته عامرة ينعم أفراده بنمط حياة صحي، ومحيط يتيح العيش في بيئة إيجابية وجاذبة».
مشاركة :