"سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُو السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" (الإسراء: 282)، "الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا" (الأنبياء: 71). من فوق سبع سماواتٍ وصفها الله تعالى بالأرض المباركة، إنها القدس. وفي هذه الأيام نعيش ونرى هذه الأرض المقدسة وهي تهان وتستباح بيضتها، وتتعرض لأبشع هجمةٍ همجية ترمي إلى محو هُويتها العربيَّة الإسلاميَّة التَّاريخيَّة، ومحاولة لوضع طابع لقيط عليها، ألا وهو الطابع اليهودي، أو ما يُعرف في الأدبيات السِّياسية باسم التهويد. في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1917 أرسل رئيس الوزراء البريطاني، آرثر جيمس بلفور، إلى اللورد اليهودي ليونيل روتشيلد، يبلغه بتأييد الحكومة البريطانية إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وهو ما يعرف بوعد "مَن لا يملك لمن لا يستحق"، وبعد مائة عام من وعد بلفور يأتي وعد جديد وهو وعد ترامب. منذ أن كان مرشحاً لرئاسة أميركا، تعهد دونالد ترامب الذي أصبح الرئيس الأميركي حالياً بأن يقوم بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وهو التصريح الذي أثار جدلاً كبيراً في العالم كله آنذاك واعتبره الفلسطينيون وعد بلفور جديداً. دونالد ترامب ليس كسابقيه من المرشحين لإدارة البيت الأبيض الذي يدير العالم كله، والذين كانوا يقدمون وعوداً بنقل سفارتهم من تل أبيب إلى القدس، والذين كانوا فيما بعد يراعون الجوانب القانونية والدستورية والقرارات الدولية، لكن من الواضح أن دونالد ترامب قد يتجاوز كل ذلك. وفي الوقت الذي بدأ فيه الرئيس الأميركي المتطرف خطاب تنصيبه رئيساً لأميركا بأنهُ لم ينسَ وعدهُ بنقل السفارة الأميركية للقدس، وبأنه سيحارب الإرهاب الإسلامي -بحسب تعبيره- كان رد الفعل العربي مخزياً للغاية، فبدل أن نسمع تنديدات أو استنكارات أو حتى إعراباً عن قلق فيما يخص هذه الهجمة الهمجية، نجد من يسارع ليهنئ ترامب الذي يتولى رئاسة أميركا بطريقة (ديمقراطية)، وهو الجنرال عبد الفتاح السيسي، الذي انقلب على ديمقراطية بلده، ولم يتطرق من قريب أو من بعيد هو أو أحد سحرته، لهذه اللهجة المتطرفة من "قرينه الأميركي"، ولم يختلف الأمر كثيراً عن باقي حكام العرب، والغريب أن الموقف الفرنسي كان أكثر اتفاقاً مع الموقف الفلسطيني من الموقف العربي. نقل السفارة الأميركية للقدس هو اعتراف صريح من الإدارة الأميركية باعتبار القدس عاصمة الدولة الصهيونية، ودونالد ترامب يدرك جيداً أهمية القدس للعالم الإسلامي، لكن رغم ذلك أصرَّ على ذلك ووعد به في حملته الانتخابية، رغم تحذيرات الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وبعض من قادة أوروبا، وأن الأمر قد يفجِّر الأوضاع في المنطقة. وفي خضم سكوت دولي مطبق ورضوخ عربي مخزٍ، إن لم نسمّه تعاوناً عربياً فاضحاً من دول مجاورة، يتولى قيادتها انقلابي مثل السيسي وغيره. بلفور ترامب - السيسي والقائمة طويلة من الأعداء والخونة الذين يكيدون للقدس، كما كان يكيد العاص بن وائل للنبي صلى الله عليه وسلم، الذي نزل فيه قول الله تعالى: "إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبتر" (الكوثر: 3). القدس هي العاصمة الأبدية لفلسطين، وهي العاصمة الروحية لكل المسلمين، القدس أكبر من بلفور، وأكبر من ترامب، وأكبر من السيسي، وعزاؤنا في هؤلاء قول الأعشى في معلَّقته: كَنَاطِحٍ صَخرَةً يَوْماً ليوهنها ** فَلَمْ يَضِرْها وَأوْهَى قَرْنَهُ الوَعِلُ ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :