السعودية مرّت بطفرات نقدية وعقارية سابقة يمكن تلخيصها بمصطلح الطفرة النفطية، فإرتفاع أسعار النفط والعدد السكاني الصغير في السبعينات والثمانينات كان له دور في إنعاش الحالة الإقتصادية للمملكة سواء في تلك الفترات أو في السنوات الأخيرة. نزول أسعار النفط حاليا وإزدياد عدد السكان ووفرة المنتجين النفطيين في العالم تسبب في نوع من الارتباك لدى المشهد الإقتصادي السعودي. ولكن من المعروف أن مع التحديات تخلق الفرص، فالسؤال هو، هل على المواطن السعودي أن يتحسر على أطلال الطفرات النفطية السابقة أم أن هنالك طفرة حالية لم يلاحظها أو لم يتنبه لها؟ ليس لدي شك بأن هذه الطفرة الجديدة و (الحالية) سيتحسر مستقبلا من لم يركب أمواجها في الوقت الراهن. من الطبيعي أن يكون هنالك حالة من التوجس الإقتصادي لدى بعض المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، ومن الطبيعي أيضا أن يكون هنالك حالة تصحيح في بعض الأسعار المتضخمة سواء للعقار داخليا أو للمنتجات الصناعية كالسيارات وغيرها بسبب التباطؤ الإقتصادي العالمي. ولكن ماهو غير طبيعي هو حينما يتسبب الحاجز النفسي لدى البعض في عدم إستطاعة رؤية الفرص الجديدة والهائلة في حجمها. البعض قد يفكر بأسلوب تقليدي ويقول بأنه ان كانت هنالك فرص فهي متمحورة فقط حول نزول أسعار العقار أو البضائع. فشراؤها بأسعار منخفضة هو استثمار ناجح. الطفرة التي أتحدث عنها مختلفة تماما عن ذلك، السعودية طرحت فرص متعددة منبثقة من مشاريع الخصخصة التي بدأت فعليا ، فلنأخذ مثلا القطاع الصحي ، فقد وفر القطاع فرصة للشباب السعودي والمستثمرين من كافة الفئات لكي يعملوا على شراء سيارات اسعاف وتأجيرها على المستشفيات الخاصة والعامة. هذا مثال بسيط جدا لم يتم الالتفات اليه نهائيا من أي مستثمر في الوقت الحالي. ناهيك عن فرص القطاع التعليمي والنقل والطاقة البديلة والترفيه والسياحة وغيرها الكثير. وبالإضافة لذلك، هنالك فرص لم تأخذ حقها من الزخم كقطاع التكنولوجيا وتقنية المعلومات والمتاجر والتطبيقات الالكترونية. فعلى سبيل المثال ، جميع القطاعات التي ذكرتها وغيرها تحتاج إلى مراكز بحثية واستشارية محلية و متخصصة، وأصبح إستخراج تراخيص ممارسة الأعمال الإستشارية متيسر وبكل سهولة وبلا أي حاجة لزيارة أي جهة حكومية، فكل شيء أصبح متوفرا الكترونيا. من الواضح بأن لدينا نقص هائل في المكاتب الاستشارية المحلية في قطاع السياحة أو في القطاعات المتخصصة في الجوانب التقنية الدقيقة. فالمكاتب الاستشارية في السعودية في أغلبها متمحورة حول قطاعين فقط وهما الهندسة والمحاسبة. الإقتصاد السعودي أثبت رغم كل التحديات بأنه اقتصاد قوي وواعد، والسياسة النقدية للمملكة لديها مرونة مميزة وذلك تم إثباته من خلال الإبقاء على نسب تضخم منخفضة جدا مقارنة بدول المنطقة. وبالإضافة لذلك، حجم الشفافية المالية في الوقت الراهن لا يمكن مضاهاته بأي فترة سابقة. وقد قال الرئيس التنفيذي لشركة داو الأمريكية أندرو ليفيريس " رأينا شفافية هائلة في السعودية، وهي لنا كمستثمرين تشابه هذه الشفافية ماهو موجود في الولايات المتحدة." وبنك الإمارات دبي الوطني أصدر تقريرا يذكر بأن حجم القطاع الخاص غير المرتبط بالنفط في السعودية ارتفع في ديسمبر 2016 إلى أعلى مستوياته تاريخيا. بطبيعة الحال، الفلسفة الاستثمارية لدى المواطن السعودي عليها ان تبدأ في الانتقال من التركيز على الاستثمارات واضحة المعالم كالعقار والانشاءات الى قطاع الابتكار واستغلال الفرص غير الملتفت اليها من خلال قراءة واعية للمتغيرات الإقتصادية ودراسة جيدة للفرص المطروحة وبالأخص المتماشية مع رؤية 2030. وبإختصار أشد، على السعوديين أن يشمروا عن سواعدهم، فالطفرة الذكية الحالية تحتاج إلى اقتناص الفرص الذكية وغير التقليدية، وتحتاج إلى من يستغلها بأسرع وقت ممكن.
مشاركة :