تطوّر الأزمة الأوكرانيّة يحدد مسار الأزمة السوريّة

  • 4/16/2014
  • 00:00
  • 40
  • 0
  • 0
news-picture

النسخة: الورقية - دولي في نصف السنة الأخيرة، تمكنت روسيا مرتين من إبعاد الأنظار الدوليّة عن الأزمة الكبرى، أي الأزمة السوريّة. ففي المرة الأولى في أيلول (سبتمبر) الماضي، جنبّت سورية الضربة الأميركيّة التي كانت وشيكة مقابل التزام بشار الأسد التخلّص من مخزون الأسلحة الكيماويّة، وهي خطوة نقلت كامل الاهتمام الدولي من الحرب الأهليّة الدائرة في البلاد إلى متابعة عمليّة التخلص من الترسانة الكيماويّة السوريّة. ومنحت الرئيس السوري وقتاً لإعادة تجهيز جيشه بمساعدة «حزب الله» اللبناني والمباشرة بهجوم واسع ضدّ الثوار. وفي المرة الثانيّة جذبت موسكو أنظار العالم إلى أوكرانيا. وليس غريباً أن ينصب الاهتمام الدولي على الجبهة الأوروبيّة في أوكرانيا حيث تتواجه عن قرب المصالح الروسيّة والحلف الأطلسي، وأن لا تحتل حوادث سورية البعيدة، الصدارة. وعلى رغم تباين الأزمتين، ثمة عدد من العوامل المشتركة. أبرزها رغبة الكرملين في مواجهة الحركات المماثلة لتلك التي نشبت في ميدان التحرير المصري وساحة «ميْدان» الأوكراني وانتهت إلى إقصاء رؤساء «شرعيين ومنتخبين»، ورغبته في إبراز أهمية الدور الروسي الذي لا يمكن للغرب تجاهله. ودافعه إلى هذه المواجهة كذلك رغبة جيوسياسيّة في ضمان المرابطة الروسية في البحر الأسود في سيفاستوبول وفي البحر المتوسط في طرطوس. وترمي السياسة هذه إلى دعم شعبية بوتين في بلاده. ولا يخفى أن نجاح السياسة الخارجية الروسيّة في الحؤول دون القصف الأميركي على سورية رفع شعبيّة بوتين بعض الشيء، لكن ضمّ القرم- ترافق مع موجة هائلة من البروباغندا الإعلاميّة التي جيّشت المشاعر الوطنيّة- نفخ في شعبية بوتين إلى مستويات قياسيّة وأسكت الأصوات المعارضة. ولعب عاملان مرتبطان بالدور الروسي في سورية دوراً مهماً في مقاربة الأزمة في أوكرانيا: أولاً، أبرزت روسيا نفسها قوة سلام في سورية وفي صورة المدافع عن نظام «شرعي» ضد الإرهابيين الإسلاميين، وهو دور استحق عليه بوتين ترشيحه إلى نوبل السلام. ثم توسل الكرملين فكرة الدفاع عن الناطــــقين باللغة الروسيّة في الـــقرم، ومعهم ربما سكان المناطق الجــنوبيّة والشــرقيّة ضد «القـــوات الفاشيّة- التي بلغت الحكم عنوةً في كييف». ثانياً، توقعت روسيا أن يأتي رد الغرب محدوداً، بعدما أثبتت ذلك تجربة حرب 2008 مع جورجيا. لكن المشكلة أن روسيا ذهبت بعيداً جداً في مقاربتها الأزمة الأوكرانية، فهي قضمت أراضي دولة أخرى. وهذه الحادثة هـــي الأولى من نوعها بهذا الحجم منذ الحرب العالميّة الثانية، فيما خلا ضم صدام حسين الكويت إلى العراق في 1990، واستقلال كوسوفو، وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبيّة. وقد يسير الصدام الأميركي- الروسي في سورية وأوكرانيا في اتجاهين، أولهما ينتهي إلى توصل الطرفين إلى اتفاق مبدئي يقضي بترك المنظمات الدوليّة (الأمم المتحدة) في معزل عن الخلافات الأخيرة ولا يسقط إمكان البحث عن حلول للأزمة السورية في مجلس الأمن. وهذا يعني الابتعاد عن التصادم في الموضوع السوري والانغماس في الأزمة الأوكرانية. وبحسب هذا السيناريو، تغض موسكو وواشنطن النظر عن انتهاكات نظام الأسد الصغيرة، وتعد لـ»جنيف 3» بينما يجري النظام السوري انتخابات رئاسيّة تشهد من غير شكّ فوزاً مظفراً لبشار الأسد. وعلى رغم اختلاف أوجه النظر بينهما، تجمع أميركا وروسيا على أن أطراف الخلاف في سورية يمكنهم التوصل إلى الحل داخـــلياً. وهـــذه المقاربة خاسرة لإدارة أوباما. فخصوم واشنطن سيرون أنها علامة وهن أميركي في الساحة الدوليّة، وهو اتهام يـــردد منتــــقدو أوباما أنه السبب الأساسي وراء إقدام موسكو على ما أقدمت عليه في القرم. أما السيناريو الآخر، فيدور على مواجهة بين واشنطن موسكو في سورية تتخذ فيها الأولى موقفاً حازماً إزاء انتهاكات النظام البعثي لاتفاق تسليم الترسانة الكيماوية، واستخدامه القوة المفرطة ضد المدنيين من أجل موازنة الانتهاكات الروسية في أوكرانيا. والسؤال الأساسي هنا هو: هل يرغب أوباما في الاعتماد على مجلس الأمن كمرجع أساسي في إدارة الأزمة السوريّة، أم سيعتبر أنه فقد فعاليّته نتيجة التصرفات الروسيّة في أوكرانيا. وفي الأحوال كلها، قد يخلص الأسد إلى بعض العِبر من الأحداث الدوليّة الأخيرة، وما يجري في أوكرانيا على وجه التحديد. ومفاد العبرة الأولى أن لا ضمانات دوليّة أمنيّة بعد اليوم. لذا، تبدو فكرة إخفاء بعض الأسلحة الكيماوية عن أعين المراقبين الدوليين وإخفائها للمستقبل القاتم فكرة حسنة. وتشير أحداث أوكرانيا إلى أن الحفاظ على وحدة أراضي الدولة لم يعد في صدارة واجبات الرئيس الدستوريّة. لذلك، فكرة تقسيم سورية إلى دولتين أو أكثر قد تصبح مع الوقت احتمالاً معقولاً وراجحاً، بل قد تكون حلاً للأزمة السورية.     * مدير مركز تحليل النزاعات في الشرق الأوسط في معهد الدراسات الأميركية والكندية في الأكاديمية الروسية للعلوم، عن «موسكو تايمز» الروسيّة، 10/4/2014، إعداد علي شرف الدين

مشاركة :