دورة تحولات الشعر والموسيقى

  • 2/9/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

عبد اللطيف الزبيدي خصمان كلاهما مجحف. القضيّة محورها الشعر، لم تعد مطروحة، فالعرب غارقون في بحار أعمق من بحور القريض. الخصومة قائمة، فالأذواق هي أصل نزاع النظريات. المنطق والعقل غائبان عن الميدان. أغلبيّة المطارحات ناجمة عن سوء فهم. من السهل القول: كان على الشعراء أن يحلّوا الخصومة التاريخيّة بإفهام المصرّين على الوزن والقافية، أنهما ليسا كافيين ليكون النصّ شعراً، فالشعر أبعد من البحور والقوافي. الشاعر الهنديّ الكبيربيدل دهلوي، الذي كتب أشعاره بالفارسيّة، ويراه كبار النقاد في مستوى حافظ الشيرازي، يرى الشعر في حشر المعاني. تكون الكلمات بلا حياة، فيبعث فيها الشاعر الحياة، فتتحوّل مادّتها إلى طاقة مشعّة صوتاً وصورة وحركة. على غرار ذلك يقال لأهل الشعر الحديث: إنكم لا تعرفون ما هما الإيقاع والموسيقى.إنكم تتوهّمون أن الأوزان موضة قديمة. لا يوجد إنسيّ يستطيع الإتيان بإيقاع خارج عن تقسيم الزمن إلى وحدات. الإيقاع رياضيات، والرياضيات لا قديم فيها ولا جديد، فإذا أضفتم إليها مخارج الأصوات فإنما تضيفون الموجات المغناطيسيّة، ويصبح البحث فيزياء، فالذي تنسجون أوهام في نظر العلم؟ إذا كانت الأوزان القديمة لاتروقكم فهاتوا إبداعاً جديداً. لقد خدعكم من صوّر لكم أن الشعر لا يكون إلاّ منثوراً، وأغراكم بأحبولة الإيقاع الداخليّ. الإيقاع الداخليّ يجب أن يكون مثل القلب المستتر في صدوركم، ولكنّ له إيقاعاً ونبضاً خاضعين لموازين الإيقاعات. أبسط مبادئ الإيقاع والموسيقى تبدّد عن أعين أذهانكم غشاوة الخلط والالتباس. كل ذلك لا يحلّ القضيّة. يجب النظر إليها من زاوية مختلفة تماماً. نحن أمام ظاهرة أدبيّة ذات سيرة ذاتية ومسيرة نشأة وكينونة وصيرورة. يقيناً، لقد نشأت أشكال الشعر من النثر وخضعت بفعل الإيقاعات والموسيقى للأوزان، غير هذا غير ممكن، إلى أن بلغت أوج التوسّع عبر قرون مديدة. في الشعر العربيّ تاريخيّاً، بدأ الأمر بإخضاع المفردات للوحدات الإيقاعيّة، ثم تعدّدت الإيقاعات إلى ستة عشر بحراً، وأضيفت إليها تنويعات أوزان الموشحات، ثم تقلّصت في القرن الماضي إلى ستة، تحت تأثير تحوّلات الشعر الفرنسيّ بخاصّة، وأخيراً نُسفت كل الأشكال، فعاد الشعر إلى النثر مثلما نشأ أوّل مرّة. حدث الشيء نفسه في الموسيقى. بدأت لدى البدائيّين بآلات الإيقاع والغناء القريب من الكلام العاديّ، وبلغت أوج الأعمال الأوركستراليّة، ونحن اليوم أمام الرّاب، إيقاعات كثيرة، وغناء أشبه بالكلام العاديّ. لزوم ما يلزم: النتيجة النظريّة: قل ما شئت، فكّر كما تشاء، فبحور التنظير والتبرير لا تغيّر شيئاً في مسار المادّة من البداية إلى النهاية إلى التحوّل. abuzzabaed@gmail.com

مشاركة :