أحياء سكنية في لبنان تتحوّل إلى ساحات مبارزة بين الجيران

  • 2/9/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لا يخلو حيّ سكني في لبنان من «المناوشات» بين الجيران، فكثيرة هي المواضيع التي يمكن أن تثير الخلافات البسيطة، أو التافهة أحياناً، مثل نشر الغسيل أو ركن السيارة في غير مكانها وغالباً ما تُحلّ بطريقة المصالحة وتدخّل طرف ثالث أو لجنة المبنى للتخفيف من حدّة الاحتقان بين الجيران. لكنّ الأمور لم تعد تقف عند هذا الحدود، فالمثل الشائع أنّ «الجار قبل الدار» لا يصحّ في أحياء كثيرة، حيث تتحوّل مساحة السكن التي لا بدّ أن تسع كلّ المقيمين فيها، ساحةً للمبارزة بين الجيران تسلك إما الاتجاه القانوني عبر رفع الدعاوى أو البحث عن حلّ أسرع عبر التهديد أو التعارك الفعلي، وصولاً الى استخدام السلاح في نزاعات، ما يؤدّي إلى إراقة دماء. وهذا ما حصل قبل أشهر، حيث أطلق أحدهم النار من مسدسه على أربعة من جيرانه على خلفية مشكلات سابقة تتعلّق بإزعاج إثر اقتنائهم كلاباً ورمي بقايا خضار على سيارته وأمام شقته، وفق ما ورد في إفادته. وما يعزّز أجواء الحقن في عدد من الأحياء، مشكلة الاكتظاظ السكاني التي تجعل سكّان المنطقة في حالة من التوتر الدائم بعضهم تجاه بعض، خصوصاً مع تعدّد الجنسيات والآراء وطرق التفكير، في ظلّ تكاثر استئجار النازحين السوريين والعمّال الأجانب وغيرهم من المقيمين، بيوتاً في لبنان.   الفروقات الاجتماعية يصل حيدر يومياً إلى منزله عند السابعة مساء، ويحاول تكريس الساعات المتبقية من الليل بعد يوم طويل في العمل لعائلته، عبر الاجتماع إلى طاولة العشاء والتحادث. لكن هذه الجلسة الأسرية التي طالما اعتاد عليها لم تعد تتمتع بالهدوء الذي يطمع به للتحضّر ليوم جديد فيه مسؤوليات كثيرة، والسبب أنّ أربعة من العمّال الأجانب استأجروا المنزل الملاصق لبيته، وبعد وصولهم من أعمالهم عند الثامنة مساء تصدح الموسيقى وأصوات الغناء ولا تتوقف أجواء السهر إلا بعد الساعة الثانية صباحاً. حاول حيدر التواصل مع جيرانه أولاً وتحذيرهم ممّا يقومون به، لا سيما أن المنازل في المنطقة التي يسكنها متقاربة جداً بعضها من بعض. وحين لم يمتثلوا لطلبه، تقدّم بشكوى أمام البلدية، وبعد أكثر من أسبوع على المماطلة في اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة وجد حيدر أنّ الحلّ أمامه يكون بتطبيق «شريعة الغاب»، حيث طلب من أحد أقربائه ذوي السوابق التدخّل لإيقاف سلوكيات العمّال. وبعد خلع باب منزلهم و «تأديبهم»، على حدّ قول حيدر، تحقّق ما أراده واختفت أصوات الموسيقى، وما لبث العمّال أن غيّروا مكان سكنهم بعد فترة قصيرة.   المراجع المختصة تنظر الاختصاصية الاجتماعية رنا برّو إلى هذه الحالة كما غيرها من الحالات المسجّلة في لبنان على صعيد النزاعات بين الجيران بما يتضمّن مختلف الجنسيات عبر أبعاد عدة يجب التنبّه لها، فمن ناحية تؤكّد برّو أنّ الخلافات بين الجيران تزداد حدّة في حال كان هناك اختلاف في الجنسيات، ليس فقط بسبب الفروقات الاجتماعية بل الفكرة السائدة بإمكان «استضعاف» هذه الفئة من الأشخاص المقيمين في لبنان، خصوصاً إذا كانوا من العمّال الأجانب. لكن من ناحية ثانية، تشير برّو الى أنّ هناك مشكلة رئيسة تتمثّل ببطء عمل المراجع المختصة، تماماً كما حصل في الحالة المشار اليها من ناحية عدم التدخّل السريع للبلدية. فمن أهم المراجع التي يجب اللجوء اليها عند حصول مشكلات بين الجيران هي البلدية. كما أن هناك جمعية المالكين التي تختصّ بالنزاعات بينهم، وبعدها تأتي النيابة العامة في حال حصول تعدٍّ من شخص على ملكية جاره على سبيل المثال، فالبلدية يمكن أن تدخل كمحكّم بين الجيران وتنهي الخلاف قبل أن يتطوّر. لكن في حال لم تمتثل يمكن اللجوء الى القضاء بالاعتماد على قانون العقوبات الذي نصّ في المادة 758 على أنّ الفرد الذي يُحدث ضوضاء أو لغطاً على صورة تسلب راحة الآهلين، ومن حرّض على هذا العمل أو اشترك فيه يُعاقب بالحبس حتّى 3 أشهر على الأكثر وبغرامة من 40 ألفاً الى 400 ألف ليرة لبنانية، أو بإحدى هاتين العقوبتين. ولكن مع علم اللبنانيين أنّ فرض القانون يمكن أن يأخذ وقتاً مع وجود مئات القضايا المرتبطة بنزاعات الجيران أمام المحاكم، يمكن أن يفضّلوا اللجوء إلى الحلّ الأسرع الذي يتمثّل بالتعاطي المباشر والعنفي مع من يسبّب لهم الإزعاج، سواء كان عاملاً أجنبياً أو نازحاً أو مواطناً لبنانياً. وتلفت برّو إلى أنّ المشكلات التي تبرز بين الجيران إلى تزايد في لبنان، ليس فقط بسبب الاكتظاظ السكّاني وعامل النزوح وتزايد العمّال الأجانب، لكن أيضاً بسبب التوتّر الذي يعيشه كلّ لبناني من الأوضاع المعيشية الصعبة وزحمة السير الخانقة وحالة عدم الاستقرار التي تثير القلق، وكلّها عوامل تدفع الشخص إلى التعاطي السلبي مع الآخرين بما يتضمّن جيرانه الذي يحتكّ بهم يومياً.

مشاركة :