تضعك الفنانة اللبنانية منى نحلة، في مزاج أحادي، فهي تحمل أسلوباً ثابتاً في تقسيم اللون والكتلة وأبعاد اللوحة، التي ارتأت أن تضيف لها بعداً جديداً، فكان اسم معرضها الأخير «رسائل من البعد الخامس»، ترجمة مخلصة للبعد الإنساني. تقدم في معرضها في «ذا ورك شوب» بدبي، مجموعة من الأعمال التي ترصد فيها البشر وفق ألوان تشرّح التكوين الداخلي، وكأن الألوان التي تحتل البياض تتحول إلى أداة لتفريغ مكنونات البشر، فيما نجدها تحمل في فنها ما يجعل اللوحة محملة بثقل المدرسة التعبيرية، ما يجعلها مشبعة بالوجدانيات. ليس سهلاً على الفنان أن يلجأ إلى عملية التفريغ على المساحات البيضاء بكثير من الشفافية والصدق، فهنا الفنان يضع نفسه أمام مكاشفة، وأمام سلسلة كبيرة من الحكايات التي يرويها بأدوات بسيطة ربما، وإنما بتقنيات معقدة. تبدأ الفنانة اللبنانية في معرضها بتقديم كل ما يشكل البعد الخامس، الذي هو بعد إنساني بحت، ومشاعر يجب ألا يشوبها ما هو سلبي، وكأنها تستدعي الجزء الإيجابي بالبشر، لتجعله يتغلب على كل ما هو سلبي. سيرة لونية ولدت الفنانة منى نحلة في لبنان، وعاشت في الإمارات في فترة سابقة، ثم عادت لتستقر في بيروت. عملت على اللوحة الثنائية الأبعاد، وعلى الرغم من اختبار العمل على النحت وما هو ثلاثي الأبعاد فإنها تبقى مخلصة للوحة وتعشق جمالية اللون. يتميز أسلوبها الفني بالتأثر الكبير بالمدرسة التعبيرية، إذ تولي أهمية كبيرة للتعبير الوجداني في اللوحة. قدمت مجموعة من المعارض في بيروت وعواصم أخرى، وشاركت في مجموعة من المعارض الجماعية في دبي، لكن معرضها الأخير كان المعرض الفردي الأول لها في الإمارة. تنشد نحلة من خلال المعرض الحب ورفعة المشاعر الإنسانية، فتبدو لوحاتها في حالة بحث عن بشرية تتمتع بالخير، وبعيدة كل البعد عن هيمنة الشر أو الكره، هذه المشاعر كلها نجدها في الضربات اللونية التي تتجسد عبر أشكال جسدية غير مألوفة، تحمل الكثير من الانحناءات والتكسير. البشر هم اللغة الجمالية التي تبحث عنها نحلة، وكأنها تطلق صرخة لونية في وجه قباحة ما يحدث، لذا تجسدهم في المعرض بالكثير من الأوضاع، فنجدهم كأنهم في حالة من الوجع أو الألم أو الفرح. تختلف وجوه البشر في لوحات نحلة، فليس لديها شكلاً واحداً تكرره عبر لوحاته، وهذا ما يجعل البشر لديها في اختلاف وتناقض شديد. تغيب ملامحهم أحياناً ما يوحي بالقسوة، وتضعها بشكل مريح للبصر في الأحيان الأخرى، الأمر الذي يزيد من الخصوصية في العلاقة التي تبنى مع المتلقي، فالحوار مع اللوحة مفتوح على مساحة من الاحتمالات. تكون نحلة لوحاتها من الكتلة، فتصبح اللوحة كتلة جمالية تجمع التناقضات في اللون وهذا ما يجعلها ذات بعد لوني أخاذ، فنجدها تبني العمل من مكونات لونية متناسقة، لتضع وسط كل هذا الانسجام ما هو صارخ وخارج السياق، في حين أن جمالياته تكمن في التآلف الذي ينشأ من هذا التضاد. وقالت نحلة عن معرضها لـ«الإمارات اليوم»، «حضّرت المعرض بين عامي 2014 و2015، وكانت في وقتها الأزمات كثيرة في المنطقة، وكنت أرى كل ما يلم بالأوطان حولي، وكثير من الفنانين قاموا بتدوين ما يحدث بشكل مباشر من خلال الأعمال، ولكنني شخصياً تأثرت كثيراً بكل ما كنت أراه عبر التلفزيون، فقد أتعبني وأوجد لدي الكثير من التساؤلات». ولفتت إلى أن بداخلها رفض للكثير من الشر، معتبرة أن الإنسان لم يولد بهذا الكم من الشر، وموضحة أن العالم ثلاثي الأبعاد، والروح ترتقي وتترفع، وفي البعد الخامس يكون الإنسان تخلى عن الأشياء المحسوسة، إذ يصبح التعامل من خلال الروح والتخاطر. ولفتت إلى أنها وجدت نفسها تعمل على ما هو خارج إطار الحروب والأزمات، فأعمالها بمثابة رسائل محبة، تذكر البشر بالروح، مبينة أنها تعتمد التناقض بالألوان، فهي تميل إلى اللون الذي يتكلم بشكل مباشر، فاللوحة حوار، وهذا يجعل صوتها أوضح. توجد نحلة المصادفة في العمل، ولهذا تعتبر أنها لا ترسم الوجه، وإنما تجده في الأشكال التي ترسمها في اللوحة، ولهذا تمنح الفكرة أهمية كبرى، منوهة بأنها تتبع التلقائية ولا تعرف أين تنتهي اللوحة، كما أنها تفتعل المصادفة وتوجدها كي تتمكن من العمل، وبالتالي يصبح سهلاً عليها الاستسلام للعمل. وترى أن اللوحة ليست مجرد فكرة، فالفكرة يمكن أن تكون مقروءة أو تسمع، ولكن لا تُرسم، فالفن هدفه الجمال، معتبرة أنه من الممكن أن يتغير أسلوبها مع الزمن، لأنها تجد الفن عملية بحث مستمر، فالفنان حين يعرف أين يذهب العمل قبل أن ينجزه تغيب الدهشة، والفن الصادق يجب أن يشبه الفنان. وعن معرضها الفردي الأول في دبي، قالت، «أجده في غاية الأهمية، إذ وجدت أن الفن في دبي أخذ منحى جديداً، وهي تجربة مميزة ستجعلني أبحث عن الاستمرار لما هو جديد وأفضل».
مشاركة :