الازدحام المروري يهزم صبر البغداديين في الطرقات شوارع مكتظة بالسيارات وضجيج المنبهات وفضاءات مختنقة بعوادم السيارات، ذلك هو المشهد المتكرر دائما في ساعات الذروة في بغداد، فالازدحام المروري بات هاجسا يؤرق المواطن العراقي وعائقا أمام حركته طيلة النهار. مشكلة الاختناقات المرورية تستدعي دراسة عميقة للوقوف على أسبابها وتخفيف حدّتها وطرح خطط مستقبلية تتمثل في إنشاء جسور وأنفاق لامتصاص الزخم المروري الحاصل في شوارع العاصمة العراقية. العرب [نُشرفي2017/02/10، العدد: 10539، ص(20)] فوضى ترهق المارة والسائقين بغداد - أن يعلق البغداديون في زحمة السير الخانقة، هو شأن يومي في العاصمة العراقية، ولئن تم تخفيض عدد نقاط التفتيش والجدران الخرسانية بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، فقد بقيت الاختناقات المرورية عصية على الوصف. ويزداد الأمر سوءا حين يعمد الجميع إلى إطلاق زعيق أبواق سياراتهم. ثمة نصف مليون سيارة أجرة تجوب شوارع بغداد وتنشر التلوث في الهواء، وهي تبحث عن راكب محتمل، هذا بالإضافة إلى ما يزيد عن مليون سيارة مدنية أخرى تجوب الشوارع، فكيف سيكون الأمر في أوقات الذروة؟ أزمة حركة المرور في بغداد كما في العديد من العواصم تحتاج إلى ما يشبه المعجزة لحلها، لكن الإرادة الحقيقية من قبل السلطات ذات العلاقة بالموضوع والهيئات المسؤولة والمواطنين يمكن أن يساهموا في تنظيم الحركة المرورية، وبالتالي التخفيف من حدة الازدحام المروري اليومي. أسباب الازدحام المروري في بغداد كثيرة، لكن أبرزها انتشار شبكة كبيرة من نقاط التفتيش العسكرية التي تقطع معظم طرق العاصمة وتجعل مهمة التجوال فيها صعبة رغم أن قيادة عمليات بغداد شرعت منذ أواخر السنة الماضية في رفع الحواجز الأمنية ونقاط التفتيش من مناطق متعددة لتخفيف الازدحام المروري الذي تعاني منه العاصمة. ويحظى فتح الشوارع المغلقة وإزالة الكتل الخرسانية ونقاط التفتيش بتأييد شبه عام، لكن عددا من المواطنين عبروا عن مخاوف من أن يؤدي اختفاء الحواجز إلى انفلات الوضع الأمني. سائق سيارة أجرة: إنها نقاط تأخير لا تفتيش، فالبعض من منتسبي القوات الأمنية يغلقون الشارع ويتركون طريقا ضيقة لمرور سيارة واحدة فقط ومنذ عام 2006 لجأت الحكومة العراقية إلى خطة أمنية ترتكز على نشر نقاط تفتيش عسكرية عند مداخل المناطق ومخارجها وعلى الشوارع الرئيسية وعند الجسور، مهمتها تفتيش السيارات المدنية بطريقة بدائية. هذه النقاط من الأسباب الرئيسية في الازدحام الشديد الذي أثار سخط البغداديين في الآونة الأخيرة، ما دفع وزارة الداخلية إلى التفكير في إنشاء خطة لإزالة البعض منها. ويعترف لواء المرور نجم جابر بأن نقاط التفتيش الكثيرة وإغلاق بعض الطرقات ساهما في الازدحامات المرورية ويقول، إن “الازدحام في بغداد مشكلة كبيرة، ولكن لا يمكن التضحية بالأمن وإلغاء نقاط التفتيش”. ويحمّل عباس جاسم -وهو سائق سيارة أجرة- نقاط التفتيش الأمنية المنتشرة في بغداد مسؤولية الازدحام المروري، ويقول “إنها نقاط تأخير لا تفتيش، فالبعض من منتسبي القوات الأمنية يقفون دون تفتيش، لكنهم يغلقون الشارع ويتركون طريقا ضيقة لمرور سيارة واحدة فقط”. ويقول أحد المسؤولين في مديرية المرور ببغداد، إن من أهم أسباب الاختناق المروري في شوارع العاصمة أعداد السيارات التي دخلت العراق بعد عام 2003، فضلا عن عدم إعادة تصاميم الشوارع بما يتلاءم مع هذه الأعداد الكبيرة من السيارات التي تزداد كل يوم. وأضاف أن عدم احترام الإشارات المرورية والأسيجة والجزرات الوسطية واستخدام بعض السائقين الطرق الفرعية والسير عكس الاتجاه، كلها عوامل تسبب الازدحام والفوضى في الشوارع، فهذه المخالفات تؤثر تأثيرا مباشرا في حركة المرور. وأكد أن العدد الهائل من السيارات لا يمكن أن تستوعبه الشوارع التي خُططت خرائطها في العقود الماضية ولم تطرأ عليها أي توسعة أو تغيير، لذا يجب أن تتم دراسة هذه الحالة وتغيير التصاميم في الشوارع بالإضافة إلى إنشاء طرق جديدة وجسور وأنفاق وإيجاد حل سريع يتمثل في سحب الموديلات القديمة وإبدالها بموديلات حديثة، فهذا من شأنه أن يسهم في الحد من الأزمة المرورية الحادة. إزالة الحواجز لا تكفي في ظل غياب الثقافة المرورية ويقول مؤيد الحمداني -سائق سيارة أجرة- على الجهات المسؤولة مراعاة ظروف المواطنين والتنسيق بين مديرية المرور والجهات المساندة من أجل إيجاد طرق للحد من الاختناقات المرورية. مواعيد غير مضبوطة تحديد المواعيد بالنسبة إلى البغداديين مهمة صعبة، ونادرا ما تجد شخصا يلتزم بالوصول إلى مكان عمله في الوقت المحدد، فيما يضطر بعضهم إلى المغادرة قبل ساعات لضمان وصولهم في الوقت المحدد. الموظفة في وزارة الثقافة ميساء صباح تقول لموقع “نقاش”، “اضطر يوميا إلى الخروج في الساعة السادسة والنصف صباحا كي أتمكن من الوصول إلى مكان عملي في الوقت المخصص للدوام (الساعة الثامنة والنصف صباحا)، وهذا أمر متعب جدا”. وتضيف “أثناء ذهابي إلى العمل وعودتي إلى المنزل أمرّ بسبع نقاط تفتيش إضافة إلى إشارات المرور الكثيرة، وبسبب ذلك أفضِّل في أول أيام الدوام في الأسبوع الذهاب إلى العمل بسيارة أجرة لا بسيارتي الشخصية لأنه اليوم الأكثر ازدحاما في الأسبوع”. ويقول جاهد عباس، “أنا أعمل في إحدى الدوائر الحكومية وهناك خطوط نقل تقلني إلى مكان عملي، ورغم ذلك كل صباح أجد صعوبة شديدة في الوصول إلى مكان عملي، بسبب الازدحام المروري الذي حول حياتي إلى جحيم يومي”. أما عثمان -مغترب عاد إلى بغداد- فيقول “خلال وجودي في العديد من الدول لم أشهد مدينة تعيش على وقع الازدحام المروري كما تعيشه بغداد، حتى أن طريقة احتساب أجور سيارات التاكسي مختلفة عن باقي مدن العالم”. ويضيف المغترب عثمان “على عكس أجرة التاكسي المعمول بها في بقية دول العالم، الأجرة في بغداد معرضة للزيادة أثناء السير في الطريق، لأن التاكسي هنا تعتمد على الوقت لا على المسافة، والسبب يعود إلى الازدحام الشديد الذي أصبح إحدى السمات المميزة لبغداد”. ويقول حميد قاسم -سائق أجرة- إن “أجور التاكسي تختلف بحسب الوقت الذي نستغرقه للوصول إلى المكان الذي يريده الزبون، وفي بعض الأحيان تكون المسافة قصيرة لا تزيد أجرتها على خمسة آلاف دينار (ما يعادل 4 دولارات) وهي تستغرق دقائق معدودة، ولكن بسبب الازدحام يزيد وقت الوصول إلى أكثر من نصف ساعة ولهذا تزداد الأجرة إلى الضعف”. حركة المرور تعل الصحة آثار الازدحام المروري تنعكس على صحة البغداديين ومزاجهم أيضا، فالوقوف في طوابير طويلة لساعات يسبب التوتر وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب، بحسب الطبيب سلام الخفاجي. وقال الخفاجي إن “تلك الازدحامات تتسبب في أمراض كثيرة والسبب الرئيس هو التلوث البيئي نتيجة المحروقات التي تتطاير من عوادم السيارات”. أمراض وشد عصبي وجبة العراقيين اليومية كما أن الازدحام أدى إلى ارتفاع ظاهرة الشد العصبي عند العراقيين، وغالباً ما تحدث شجارات بين سائقي السيارات بسبب تصادم السيارات مع بعضها البعض على خلفية طوابير العربات التي تنتظر دورها للمرور عبر نقاط التفتيش. وتشير إحدى الدراسات الصادرة عن المركز القومي لأبحاث البيئة والصحة في ألمانيا إلى أن التكدس المروري لا يسبب سوء المزاج وتدني الإنتاجية وكثرة أخطاء العمل فقط، وإنما قد يسبب أيضا الوفاة، وهو يرتبط بإصابة شخص واحد من بين كل 12 شخصا بأزمة قلبية، والأشخاص الذين يواجهون مشكلة التكدس المروري ترتفع لديهم احتمالات الإصابة بالأزمات القلبية بمعدل ثلاث مرات مقارنة بغيرهم. وحذرت الدراسة من آثار الاختناقات المرورية على أصحاب الأمراض المزمنة. وتضيف الدراسة أن “تأخر العاملين كل يوم عن بداية وقت الدوام الرسمي بساعة أو أكثر، يقلل في مجمله ساعات العمل المطلوبة مما يخفض الإنتاجية، وكذلك يتكبد القطاع الخاص الكثير من الخسائر سنوياً بسبب تأخر وصول شحنات وبضائع الشركات نتيجة لهذه الزحمة المرورية، وما يصاحبها من الحوادث المتكررة وبالتالي ترتفع فاتورة خسائر الاقتصاد الوطني بشكل عام”. ويقول الباحث الاجتماعي حسن الربيعي “أثبتت الدراسات أن الضوضاء والازدحامات تتركان آثاراً سلبية على نفسية الطفل والمواطن على حد سواء وخلصت تلك الأبحاث إلى أن عمليات التلوث البيئي التي تتركها تؤثر على صحة الفرد وبالتالي على البيئة الاجتماعية لعموم المجتمع”. ويؤكد أن الفوضى المرورية تنعكس بشكل مدمر على مسارات الحياة اليومية وتتسبب في هدر الوقت ووضع مستخدمي الطريق في ظروف قاسية وهم يعانون من شدة الحرارة صيفا أو زمهرير البرودة شتاء، وفي هذه الظواهر ما يكفي لخلق حالات من التوتر النفسي وتفشي النزاعات والخصومات بين مستخدمي الطريق سواء منهم مستخدمو المركبات أو سائقوها. بسبب هذه المخاطر الصحية والأضرار الاقتصادية يطالب المواطنون بحلول جذرية من أجل فك الاختناقات المرورية، فالبحث عن حلول لهذه المشكلة ضرورة ملحة خاصة وأن هذا الازدحام يزداد عاماً بعد عام ويؤدي إلى تأخر المواطنين عن مواعيد مباشرة أعمالهم وقد يتعرضون إلى حوادث نتيجة السرعة والرغبة في الوصول إلى أماكن أعمالهم في الأوقات الإدارية المحددة. :: اقرأ أيضاً
مشاركة :