تعتبر استعادة الجيش العراقي لمدينة الموصل التي أعلنها أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم، عاصمة للخلافة، بمثابة ضربة قاصمة لماكينة إعلام أنصار تنظيم الدولة. وقد أعلنت وزارة الدفاع العراقية، مؤخرا، أن شرق الموصل بات تحت السيطرة بالكامل، وذلك على أثر اقتحام آخر معقل لتنظيم الدولة في المناطق الواقعة شرقي نهر دجلة الذي يمر وسط المدينة. وتتمثل الخطوة التالية في عبور نهر دجلة، وهو ما تنتظره المدينة الجديدة من المدينة القديمة، والتي لا تزال في قبضة مقاتلي تنظيم الدولة. وهذا يعني الدخول في مواجهة مع عناصر ليس لديها ما تخسره، فقد أدركوا أنهم أقل عددا، كما أنهم منهكون من شدة المعارك التي خاضوها، واضطروا للتراجع أمام شدة قصف المدفعية العراقية والطيران الأمريكي. في إطار هذه الحرب غير المتكافئة، عثر مقاتلو تنظيم الدولة على سلاح في منتهى القوة، ومفاجئ أيضا، ليزيد من صعوبة تحقيق النصر أمام قوات الجيش العراقي: أنها أنفاق الموصل. "يسيطر تنظيم الدولة على شبكة أنفاق تغطي جميع أنحاء مدينة الموصل وقراها المجاورة، كان قد حفرها خلال السنوات الماضية لاستخدامها كخط دفاع بديل عن قواته، وهكذا بوسعهم البقاء كامنين تحت الأرض لأيام، بل أسابيع كاملة، ليظهروا من العدم، في الوقت المناسب، ليواصلوا الهجوم براجمات الصواريخ والقاذفات المضادة للدبابات والأحزمة الناسفة وهكذا يتمكنوا من اصطياد قواتنا"، بحسب ما أكده لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) العقيد محمد صلاح. "سوف نتمكن من تحرير الموصل نهائيا في غضون فترة تتراوح بين ستة إلى ثمانية أشهر، لأنها معركة صعبة"، يؤكد العقيد المسؤول عن جبهة قتال تنظيم الدولة في الحوايا، حيث لا يزال متبقيا في هذا الجيب من قوات التنظيم ما يقرب من ألف مقاتل، موضحا "غالبيتهم من الشيشان، وتونس والمغرب والجزائر. وجميعهم على استعداد للموت وهم يقاتلون. نحن نحكم حصارنا حولهم، ولكنهم لا يستسلمون أبدا، إنهم مصممون على القتال حتى الموت". جدير بالذكر أن بلدة بعشيقة التي تحررت على يد قوات البشمرجة في الـ27 من أكتوبر الماضي، تضم شبكة لا نهاية لها من الأنفاق والممرات السرية تحت الأرض، كانت ميليشات تنظيم الدولة تستخدمها على مدار شهور لاصطياد عناصر القوات الكردية والعراقية. "عثرنا على نصف دستة من الأنفاق في المدينة وضواحيها، ولكن على الأرجح يوجد المزيد منها"، يؤكد لـ (د. ب. أ)، الرقيب هشام يوسف من قوات البشمرجة، موضحا "نعتقد أن الإرهابيين لديهم مئات من الأسرى يسخرونهم لحفر هذه الأنفاق. جميع الأنفاق حفرت بالأيدي. مقاتلو تنظيم الدولة لم يكن لديهم الوقت الكافي للتفرغ لمثل هذه الأعمال والقتال ضدنا في نفس الوقت". وتعتبر التكتيكات المستخدمة من قبل ميليشات تنظيم الدولة قديمة، ففي ستينيات القرن الماضي قامت الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام المعروفة بـ" الفيت كونج"، التي كانت تقاتل ضد القوات الأمريكية، ببناء شبكة أنفاق بطول 200 كلم، بمقاطعة كو تشي القريبة من العاصمة هو شي منه. وفي قطاع غزة قامت حركة حماس بإنشاء شبكة أنفاق ضخمة لنقل السلاح والذخيرة، بالرغم من الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع. وفي أفغانستان، أثناء مقاومة العدوان السوفيتي 1978 - 1992، قام المجاهدون الأفغان باستخدام شبكة من الأنفاق لنقل المياه والمؤن ضمن أشياء أخرى. تشبه الجيوب المنتشرة في جبال بعشيقة، ثقوب قرص جبن جوريير ضخم، حيث تقطع الأنفاق والدهاليز السرية قممها وسفوحها من كل مكان. "تستخدم قناصة تنظيم الدولة هذه الأنفاق للوصول إلى مواقع مرتفعة لكي يتمكنوا من فتح النار علينا، دون أن نتمكن من رؤيتهم. إنها استراتيجية في منتهى الذكاء"، يحكي الجندي يوسف بينما يرشد مراسل (د. ب. أ) عبر مواقع الأنفاق. يكتنف المكان ظلام دامس. يسيطر شعور عام برهاب الأماكن المغلقة، يعززه الحار الخانق بسبب ارتفاع معدلات الرطوبة. تنتشر على الأرض عبوات الطعام الفارغة، شاي، سكر، وأدوية، كتب تعليم الصلاة بالطرق الصحيحة، براد لحفظ الطعام، وريموت كنترول لجهاز تلفاز. "بوسع مقاتلي تنظيم الدولة البقاء كامنين في مخابئهم تحت الأرض لأسابيع بل شهور متحصنين من قصف القوات الجوية الأمريكية، وتحينا لفرصة فتح النار على مواقعنا"، يوضح يوسف. "أبوحارثة، أبو عبيدة، أبو أحمد، 25 أكتوبر 2016"، "لقد أحيط بنا"، "الحمد لله"، عبارات كتبت على جدران حجرة قديمة، كان يقيم بها ثلاثة من عناصر تنظيم الدولة صمدوا للنهاية في المعارك الضارية التي خاضوها ضد قوات البشمرجة. "لماذا ترتجفون؟"، "أجيبوا!"، يصرخ جندي من المليشيات المسيحية ببلدة قراقوش (بغديدا) بينما يجر رجلا موثق اليدين معصوب العينين من رأسه إلى شاحنة نصف نقل. "إنهم من تنظيم الدولة"، يقول الجندي فيما ينهال ضربا بلا رحمة على عناصر التنظيم الأربعة المقيدين. "قبضنا عليهم أثناء محاولة الهروب من أحد أنفاق تنظيم الدولة في الموصل. كانوا يريدون الفرار ليدعوا بعد ذلك أنهم من المدنيين"، يحكي الجندي العراقي لـ(د. ب. أ). أبدى الأربعة التابعون للتنظيم جلدا وصبرا في تحمل الضرب والإهانات التي بدرت ضدهم من جانب الجنود العراقيين، فيما يؤكدون أنهم من المدنيين "نحن مدنيون، ولا علاقة لنا بتنظيم الدولة. الجميع يعلمون أننا مدنيون. لقد اختلط عليهم الأمر"، يصرخ الموقوفون الأربعة. "وماذا كنت تفعل إذن داخل الأنفاق؟ هيا، أجب!"، يرد عليهم الجندي، موضحا "لقد قاموا بقص لحاهم وشعورهم الطويلة. يبدو أثر الحلاقة الحديثة واضحا على وجوههم، كما أن لديهم نقر في رؤوسهم، وجروح في وجوههم من أثر الحلاقة المتعجلة. بعد أن حاصرناهم، فكروا في خداعنا والاندساس بين المدنيين"، يؤكد الجندي. "هناك الكثير من المدنيين الذين يتعاونون مع التنظيم. يزودونهم بالمعلومات حول مواقعنا، كما يساعدونهم على الانسحاب إلى المؤخرة، لكي يعيدوا تنظيم صفوفهم والتزود بالسلاح والعتاد، لمعاودة الهجوم علينا وشن هجمات انتحارية"، يؤكد العقيد صلاح محمد. "لا يوجد عاقل يقرر دخول أنفاق التنظيم للهروب من المدينة إلا إذا كان ينتمي للتنظيم بالفعل. هم فقط من يعرفون بأمر هذه الأنفاق السرية، وكيفية الهروب من خلالها"، يتابع الضابط العراقي. //إ.م ;
مشاركة :