يقول العامة «أعصب راسك يجيك ألف طبيب»، وهي حكمة تجسد تلك الرغبة الكامنة في الإنسان والتي تدفعه إلى الثرثرة بما يعلمه وما لا يعلمه حين يشهد حدثا أو يرى مصابا، حسبك أن تشد رأسك بعصابة متظاهرا بالصداع إن لم تكن مصابا به كي يتبرع كل من حولك باقتراح الأدوية لك: خذ بندول، خذ بندول إكسترا، زمان كان النوفالجين هو دوا الصداع لو لقيت نوفالجين يفيدك، سيبك من الحبوب والدكاترة وعليك بالحجامة. تتكالب عليك النصائح من كل اتجاه حتى تتحول تلك النصائح إلى صداع أشد ألما من الصداع الذي تشكو منه أو تتظاهر به. كورونا أصبح اليوم هو الصداع المزمن، والمتبرعون بالحديث عن أسبابه وطرق الوقاية منه وعلاجه يتكاثرون من حولنا ويجدونها فرصة لا تفوت كي يتباهوا بما لديهم من علم ومعرفة، وبدل أن ينعزلوا في معاملهم ويخلصوا في أبحاثهم تحولوا إلى نجوم يبحثون عن أضواء الإعلام، وبدل أن يكتشف لنا الأطباء علاجا أو لقاحا للمرض، اكتشفنا نحن أن لدينا أطباء ومختصين لا يختلفون عن أولئك الذين إذا عصبنا رؤوسنا وجدنا حولنا منهم ألف طبيب. آخر هؤلاء الأطباء ذلك الذي أعلن على رؤوس الأشهاد أن القراد هو المسؤول الشرعي والممثل الوحيد الحامل للفيروسات التي تصيب الجهاز التنفسي على اختلاف أنواعها وتعدد الأمراض والأوبئة التي تتسبب فيها بما فيها مرض كورونا، والطبيب الذي لا يمكن له أن يفسر لنا كيف يعيش مخالطو الإبل والماشية «المقردة» وسط هذه الإبل والماشية دون أن يكونوا هم أول من يصاب بالمرض، هذا الطبيب كان الأولى به أن يكون منكفئا على أبحاثه ودراساته لكي يبرهن لنا علميا على ما يقول، خصوصا حينما يتعلق الأمر بمرض يحير العلماء. ما أجدر أطباءنا بأن يتعلموا من العالم الذي اكتشف فيروس كرونا بعد أن عمل في صمت ولم يشعر به أحد سوى الجهات المختصة ومنظمة الصحة العالمية، ولم يفعل ذلك إلا بعد أن قام بتجارب مخبرية مضنية تمكن خلالها من عزل الفيروس وتعرف عليه. تحميل المسؤولية للقراد ومن الممكن البراغيث والصراصير والعناكب والذباب والبعوض وكل الكائنات التي لا تستطيع الدفاع عن نفسها ولا أن تقاضينا بجريمة التشهير بها، هي مجردة ثرثرة من ألف طبيب تحيط بمن عصب رأسه بعد أن أصابته الفيروسات بالصداع.
مشاركة :