روسيا كأوروبا، هما الأقرب إلى العالم الإسلامي، بل إن روسيا يشكِّل المسلمون فيها جزءاً مهماً من سكانها، وأراضي المسلمين في الجمهوريات التي تتمتع بالحكم الذاتي في الاتحاد الروسي تشكِّل ثقلاً كبيراً، سواء في التكوين السكاني أو القيمة الاقتصادية، وهذه الجمهوريات لها امتداد وسحر تاريخي للمسلمين، فهذه الجمهوريات تمثل أهل القوقاز والتتار والشيشان، وجميعها تشكِّل مخزوناً كبيراً للتاريخ الإسلامي، فكثير من علماء المسلمين وقادتهم العسكريين من هذه البلدان، ولهذا فإن الدول الإسلامية والاتحاد الروسي يشكلان امتداداً إستراتيجياً، ومع أن هذا الامتداد لم يُفَعَّل بسبب التعارض الأيدلوجي كون روسيا كانت تُحكم من قِبَل نظام يتعارض دينياً وأيدلوجياً وفكرياً مع الإسلام، فإن زوال ذلك النظام محفزٌ لتنشيط التفاهم الإستراتيجي بين المسلمين والروس، فإضافة إلى وجود مصلحة مشتركة بين الكتلتين الدوليتين أيضاً قربهما جغرافياً، إذ يشتركان حدودياً، بل ويتداخلان في الأراضي، وإذا كانت أوروبا تفصلها عن العرب المسلمين البحر الأبيض المتوسط وإن شكلت ألبانيا وجوداً إسلامياً تعززه دولة البوسنة والهرسك والجاليات الإسلامية الكبيرة، فإن روسيا ملاصقة حدودياً لكثير من الدول الإسلامية في آسيا الوسطى وإيران وتركيا وإذربيجان، فضلاً عن وجود إسلامي كبير منح روسيا صفة العضو المراقب في منظمة التعاون الإسلامي، ولروسيا والمسلمين تاريخ مشترك يعزز أي توجه لتفعيل مصالحهما، ومثلما تشكِّل العلاقات الجديدة والعمل المشترك بين الدول الإسلامية وروسيا إضافةً إستراتيجية مهمة للدول الإسلامية، أيضاً تحقق العلاقات المتميزة لروسيا مع الدول الإسلامية ثقلاً إضافياً للنفوذ السياسي لروسيا ويمنحها ميزة استثنائية عن غيرها من القوى الكبرى التي تنافسها، ولكن هذه الميزة تصبح عبئاً ونقيصة إذا ما انحازت روسيا الدولة إلى دول إسلامية معيَّنة على حساب دول إسلامية أخرى بسبب تباينات مصالح وقتية تقود إلى ما يشبه التحالفات العسكرية والسياسية، كما هو حاصل في سوريا والتي دفعت روسيا إلى الوقوف في معسكر النظام الإيراني الذي يُحكم من متشددين لا يحظون بالقبول من معظم الدول الإسلامية وشعوبها لتشبثهم بفكر طائفي إقصائي. الانحياز الروسي إلى حملة الأفكار الطائفية الاقصائية وتوظيف حكام طهران لهذا الانحياز يجعل من أي تقارب إسلامي حقيقي مع روسيا صعب التحقيق، خصوصاً أن أغلب المسلمين هم من الذين يعارضون التوجه الطائفي لحكام إيران، بل ويعملون بكل قوة لإفشال أجنداتهم. ولهذا، فإن انحياز روسيا لهم يجعلهم في صف المنبوذين والذين يعمل أغلب المسلمين على مواجهتهم وتصويب أفعالهم المستندة على أفكار يعارضها المسلمون. ومثلما نعرف بأن الشعوب التي تؤسس على تفكير علمي غير جامد كالشعب الروسي لا يمكن أن تظل حبيسة نظرة وموقف إستراتيجي دائم، إذ تخضع مواقفهم للدراسة والتحليل، وهو ما أنبأ عنه الرئيس التتارستاني الذي زار المملكة العربية السعودية قبل أيام من خلال إعلانه امتلاك روسيا لإطار فكري وإستراتيجي لتأسيس علاقة علمية بالدول الإسلامية، إذ يوجد لديهم ما يُسمى بالرؤية الإستراتيجية بين روسيا والعالم الإسلامي. ومن خلال هذه الرؤية التي ستتوصل إلى قواسم مشتركة وثابتة وتضع أسس علاقة علمية سوية من خلال ما سيُعقد من لقاءات واجتماعات والتي حتماً ستقوي العلاقات بين البلدان الإسلامية والبلدان الروسية وتزيل كثيراً من الشوائب التي أوجدتها مواقف فُسِّرتْ انحيازاً لجانبٍ ضد آخر في الدول الإسلامية.
مشاركة :