لم يكن عبدالرؤوف الذهب الذي قتل مطلع الأسبوع الماضي مع عشرات من أتباعه وأقاربه، وبينهم أطفال ونساء، في عملية إنزال جوي نفذتها قوة أميركية في قرية يكلا في محافظة البيضاء اليمنية، مدرجاً على اللائحة الأميركية لقيادات «القاعدة» في شبه جزيرة العرب، فالشاب الثلاثيني المتهم بالانتماء إلى «القاعدة» يبدو وفق مصادر متطابقة أقرب إلى الزعامات القبائلية الحاضنة للتنظيم والمستفيدة منه أكثر من كونه عنصراً عقائدياً وفاعلاً ضمن الجماعة المتطرفة. وهذه ليست المقتلة الأولى التي تتعرض لها أسرة الذهب، وهي من الأسر المشيخية القبائلية الممتدة، إذ سبق وقتل عدد من أفراد الأسرة في نزاعات في ما بينهم أو بطائرات أميركية. وتقدم السيرة التراجيدية لأسرة الذهب نموذجاً لكيفية توليد العنف في البيئات التي تغيب فيها سلطة الدولة في وقت يتهم النظام السابق بدعم سلطة المشايخ وجعلهم بديلاً من مؤسسات الدولة. وروى مصدر مقرب من أسرة الذهب لـ «الحياة» كيف تسبب النزاع بين أبناء الشيخ الراحل أحمد الذهب على زعامة القبيلة والتركة في استقطاب متبادل لأفراد الأسرة من الرئيس السابق علي عبدالله صالح وتنظيم «القاعدة»، موضحاً أنه خلافاً لشقيقيه طارق ونبيل، اللذين تزعما على التوالي جماعة «أنصار الشريعة» في المنطقة، لم يكن عبد الرؤوف ملماً بالقدر الكافي بأصول الثقافة الإسلامية ناهيك بالأفكار الجهادية المتطرفة. وسبق لعبدالرؤوف أن نفى وجود صلة له بـ «القاعدة» وهو ما أكده الأسبوع الماضي مسؤول عسكري في الحكومة اليمنية الشرعية، مشيراً إلى أن عبدالرؤوف كان على صلة بالجيش الموالي للحكومة الشرعية وعلى تنسيق معها لتحرير مدينة رداع من قبضة الانقلابيين. ولم يصدر عن تنظيم «القاعدة» ما يشير إلى وجود ارتباط لعبدالرؤوف به، وذلك خلافاً لشقيقيه طارق ونبيل اللذين نعاهما التنظيم عبر وسائله الإعلامية. ويرجح مراقبون أن يكون الإنزال الأميركي اعتمد معلومات غير مؤكدة حول تواجد قائد تنظيم «قاعدة الجهاد» في جزيرة العرب قاسم الريمي في قرية يكلا، وهي فرضية تعززها تصريحات مسؤولين أميركيين بأن العملية التي قتل فيها جندي أميركي وجرح 3 آخرين، استهدفت جمع معلومات استخبارية، فيما تحدثت تقارير إعلامية أميركية عن تسريب خطة الإنزال الجوي لـ «القاعدة». وهذه عملية الإنزال الجوي الثانية التي تنفذها القوات الأميركية في اليمن والأولى في عهد الرئيس دونالد ترامب. ويعتقد أن العملية تمت بمعرفة القوات الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح وميليشيات الحوثيين (حركة أنصارالله) اللتين تسيطران على مناطق عديدة في محافظة البيضاء وتملكان أسلحة بينها دفاعات أرضية. وسبق لقوة أميركية تنفيذ عملية إنزال مماثلة في محافظة شبوه جنوب اليمن لتحرير رهينة أميركي لكن العملية انتهت بمقتل الرهينة وعدد من المدنيين اليمنيين بينهم نساء وأطفال. وتتهم الولايات المتحدة بقتل مدنيين أبرياء من خلال العمليات العسكرية التي تنفذها في اليمن تحت مسمى مكافحة الإرهاب. وتقول «هيومن رايتس ووتش» إنها حققت في 7 ضربات جوية نفذها الطيران الأميركي في اليمن بين 2009 و2013، موضحة أن 57 من 82 شخصاً قُتلوا خلال الفترة كانوا مدنيين، بالإضافة إلى 14 آخرين، 12 منهم في هجوم على موكب زفاف. وخلافاً للمزاعم الأميركية القائلة إن قتل نساء في قرية يكلا كان بسبب حملهن السلاح، يؤكد شهود أن الإنزال الجوي سبقه قصف طائرات من دون طيار ثلاثة منازل بينها منزل عبدالرؤوف الذهب. ومن بين الضحايا الذين كانوا في المنزل شقيقة عبدالرؤوف وأرملة أنور العولقي الأميركي من أصل يمني والذي قتلته طائرة أميركية من دون طيار في أيلول/ سبتمبر2011 وابنتها نوار (8 سنوات). وكان عبدالرحمن (16 سنة) الابن الاكبر لأنور العولقي قتل في شهر مقتل والده ذاته بغارة أميركية أيضاً. ويعد الزواج من نساء زعماء القبائل أحد الاساليب التي تتبعها قيادات التنظيمات المتشددة وعناصرها لكسب المناصرة والحماية. وينظر إلى أسرتي الذهب والعولقي بوصفهما ضحيتين للاستقطابات الإرهابية والسلطوية. وخلافاً لنبيل الذهب الذي قتل في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 بطائرة من دون طيار، قتل شقيقه طارق في 2012 على يد أخيه غير الشقيق حزام الذهب المتهم بموالاة الرئيس السابق والانتماء الى حزب «البعث» السوري فرع اليمن. ويصف باحثون القبائل اليمنية وشيوخها بالبراغماتية، ويتهم الرئيس السابق بإبقاء كثير من مناطق القبائل في عزلة عن التحديث وشراء ولاء شيوخها من خلال تخصيص موازنات شهرية عبر ما يسمى بمصلحة شؤون القبائل. وتعد البيضاء وشبوة والجوف ومأرب وصعدة من أكثر المحافظات فقراً وأقلها خضوعاً لسيطرة الدولة، ما جعلها بيئة ملائمة للجماعات المتشددة.
مشاركة :