تنشغل الساحة اللبنانية على المستويين الرسمي والشعبي بموضوع النازحين السوريين في لبنان ، البالغ عددهم أكثر من مليون ونصف نازح، الذي يضغط على الوضع الاجتماعي والأمني الداخلي، و يثقل كاهل الاقتصاد والبنى التحتية والخدمات في البلد الذي يتجاوز دين الدولة فيها 73 مليار دولار، وسط تقديرات وزارية بأن تكلفة النزوح السوري قاربت 20 مليار دولار منذ بدء الحرب السورية. وقد ظهرت الى الواجهة مجددا دعوة لبنان وتأييده إقامة مناطق آمنة داخل سوريا تساعد لعودة النازحين الى سوريا نظرا لتزايد عددهم الى ما يقارب ثلث عدد الشعب اللبناني في ظل عدم قدرة لبنان والجهات الدولية المانحة على تأمين احتياجاتهم الأساسية، وهو ما أبلغه كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون و رئيس الحكومة سعد الحريري الى فيليبو غراندي مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين،الذي زار بيروت مؤخرا ، في حين اندرجت زيارة المسؤول الأممي في إطار محاولة تطمين لبنان لجهة المساعدات والوقوف على الأوضاع التعليمية والأمنية والاجتماعية لمليون ونصف مليون نازح سوريا، من زاوية أن بقاءهم في لبنان ضروري في هذه المرحلة، والمفوضية الدولية لا تشجّع على عودة هؤلاء الى بلدهم سوريا، وهو ما كان موضع خلاف مع المسؤولين اللبنانيين . وفي هذا السياق دعا الرئيس اللبناني العماد ميشال عون قبل أيام المجتمع الدولي الى تسهيل عودة النازحين السوريين في لبنان الى بلدهم من خلال إقامة أماكن آمنة في سوريا لاستقبالهم بالتنسيق مع الحكومة السورية .. مؤكدا خلال لقائه مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي أن لبنان بدأ مرحلة نهوض على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة نتيجة النزوح السوري . ويبلغ عدد النازحين السوريين المسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حوالي مليون و نصف لاجئ في ظل عدم قدرة لبنان على تأمين احتياجاتهم ، نظرا لهشاشة الوضع الاقتصادي في البلاد، وفي الوقت الذي تعاني فيه معظم القطاعات والمؤسسات من التداعيات السلبية للأزمة السياسية التي عاشها لبنان مؤخرا. وقد كشف تقرير أممي صدر في سبتمبر الماضي عن أن أكثر من ثلث اللاجئين السوريين في لبنان يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وأنه بعد حوالي ست سنوات من تقديم المساعدة لا يوجد مزيد من التدهور في وضع اللاجئين ومع ذلك لا تزال أوضاعهم غير مستقرة .. لافتا التقرير الى أن العائلات استنزفت مواردها المحدودة وهم يحاولون التكيّف بالحدّ الأدنى للمعيشة من اجل الاستمرار و يواصلون الاعتماد على آليات تكيف ضارة من أجل تدبر أمورهم . وقالت ميراي جيرار، ممثلة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان في كلمة لها تضمنها التقرير "تؤكد نتائج هذا التقييم على محنة اللاجئين السوريين وأهميّة المساعدة الإنسانية التي من دونها سيتدهور وضع اللاجئين على الفور"، مضيفة "يعيش حوالي ثلاثة أرباع اللاجئين دون خط الفقر، وحوالي النصف يعيشون في ملاجئ دون المستوى المطلوب. هم بحاجة للدعم باستمرار، ولا سيما في فصل الشتاء، حيثما تتفاقم هشاشة وضعهم من جراء أحوال الطقس الصعبة. كما انتقد الرئيس اللبناني عدم اتخاذ المجتمع الدولي إجراءات مهمة بهدف المساعدة في معالجة عدد النازحين السوريين في لبنان ، رغم إقرار جميع المسؤولين الذين يزورون البلاد بحجم الأزمة التي يشكلها النزوح السوري على أوضاع بلاده .. مؤكدا أن هذه الأزمة تؤثر بشكل أو بآخر على أوضاع لبنان الاقتصادية والاجتماعية والأمنية مقارنة بعدد سكانه ومساحته الجغرافية . من جانبه كشف رئيس الحكومة سعد الحريري عن قوله "للبعثات الدولية التي تزورنا أن لبنان بات بأكمله أشبه بمخيم للاجئين، من هنا وجوب أن تشمل المساعدات لبنان بأكمله لا منطقة من دون الأخرى . و رأى أنه على لبنان الانتظار ما في إمكاننا أن نحصل عليه من المجتمع الدولي ، فيما خص موضوع النازحين في ظل وجود الأعداد الكبيرة من النازحين في لبنان . وحول أزمة اللاجئين السوريين وتداعياتها، دعا وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني بيار أبو عاصي في تصريح لوكالة الأنباء القطرية ، في بيروت، المجتمع الدولي الى دعم المواطن اللبناني الى جانب دعم النازحين السوريين جراء تداعيات الأزمة السورية على بلاده .. كاشفا عن وجود لجنة وزارية معنية بموضوع النزوح السوري مؤلفة من ثمانية وزراء وبينهم وزير الشؤون الاجتماعية، هدفها مساعدة النازح السوري ومساعدة المجتمع اللبناني المضيف وتدعيم البنى التحتية المترهلة جراء تداعيات النزوح. وأوضح أنه في السابق كان يوجد ما يعرف بخلية أزمة وزارية مؤلفة من أربع وزارات فقط .. مؤكدا أن جميع الفرقاء في لبنان يطالبون بعودة النازحين السوريين الى بلادهم ...لافتا الى تخوف المجتمع الدولي من إعلان مناطق آمنة لعودة النازحين السوريين كي لا يتحمل مسؤولية أي خلل أمني يحصل. وقال أبو عاصي يجب عودتهم في ظل وجود بعض المناطق الآمنة لأن مكانهم الطبيعي في سوريا. وكشف عن أن وزارة الشؤون الاجتماعية تعتزم اطلاق خطة من أجل القيام بإحصاء الكتروني للنازحين السوريين في لبنان نظرا لعدم وجود إحصاء دقيق لهؤلاء . ولم تقتصر مطالبة دعم لبنان بملف النازحين السوريين على المسؤولين اللبنانيين بل كان ذلك مطلبا مشتركا مع المسؤولين الأمميين والدوليين الذين زاروا لبنان . وفي هذا السياق طالب كل من وزيرة الدولة لشؤون التنمية الدولية في بريطانيا بريتي باتيل والمفوض السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، دعما دوليا طارئاً للبنان وللاجئين السوريين خلال زيارة قاموا بها للبقاع – شرقي لبنان مؤخرا. وقال المفوض السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي في تصريح له " لا يزال الوضع الإنساني للاجئين السوريين في لبنان خطيرا جدا".. مضيفا " لقد وصلوا لنقطة الانهيار، هم و المجتمعات اللبنانية التي رحبت بهم واستضافتهم دون قيد أو شرط ، مشيرا الى أنه يتوجب على المجتمع الدولي أن يضاعف دعمه للبنان في هذا الوقت الحرج، وعليه ان يتشارك المسؤولية لصالح اللاجئين والمجتمعات المضيفة " . وعلى الرغم من اتفاق مجمل الأفرقاء السياسيين في لبنان على ضرورة عودة النازحين السوريين الى ديارهم ورفضهم فكرة "التوطين " إلا أن البعض منهم يرفض اعادتهم بالتنسيق مع الحكومة السورية ، وخصوصا ما يعرف بـ"قوى الرابع عشر من اذار"، مشددين على ضرورة التنسيق مع المجتمع الدولي من أجل إعادة آمنة لهم وسط تخوفهم من سطوة نظام بشار. و يكمن الاختلاف في ظل الجدل القائم على المستوى الدولي بشأن اعادتهم الى مناطق آمنة اي عبر تأمين حماية دولية لهم أو الى أماكن آمنة أي عبر حماية الحكومة السورية. وفي هذا السياق قال الرئيس اللبناني "يدور الحديث حاليا عن إنشاء أماكن آمنة في سوريا، وباعتقادي أن الأمر صعب لأن المعنيين غير موافقين أن تكون بإشراف الأمم المتحدة، بل يريدونها تحت إشرافهم المباشر بحجة أن الأمر يمس السيادة الوطنية ". وقد عاد الحديث عن إقامة مناطق آمنة في سوريا مؤخرا وهي أحد المطالب التي نادى بها المتظاهرون مع بداية الثورة السورية ، وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن بلاده ستنشئ مناطق آمنة لاستيعاب النازحين السوريين ، وبحسب البيت الأبيض فإن ترامب يدعم إنشاء مناطق آمنة في سوريا ...وقد رد النظام السوري من خلال وزير خارجيته وليد المعلم الذي رأى أن أي محاولة لإقامة مناطق آمنة للاجئين والنازحين دون تنسيق مع دمشق يعد عملا غير آمن ويشكل انتهاكا للسيادة السورية ويمكن أن تترتب عليه أعمال خطيرة حسب تعبيره . وفي هذا السياق اكد وزير الاعلام اللبناني ملحم رياشي" في تصريح لـ /قنا/ أن عودة النازحين السوريين من لبنان الى سوريا يجب أن تكون بضمانة الأمم المتحدة من أجل ضمان سلامتهم وحمايتهم من نظام بشار الأسد. وقال رياشي" إنه لا مانع من إعادة النازحين السوريين من لبنان الى سوريا شرط أن يكون ذلك برعاية الأمم المتحدة .. مضيفا أننا "لن نقبل عودة السوريين الى بلادهم تحت رعاية النظام السوري وأن يتعرضوا لمخاطر الموت مجددا ، و نحن مع أن تتخذ الأمم المتحدة هذا الإجراء". من جانبه قال وزير التربية اللبناني مروان حمادة إن أي كلام عن عودة النازحين السوريين من لبنان الى سوريا غير مقبول قبل توفر مناطق آمنة لهم بضمانة المجتمع الدولي .. مضيفا يكفي ما شاهدناه من جرائم من قبل نظام بشار الأسد كي لا نرسل النازحين حاليا في ظروف غير آمنة ". واكد حمادة أنه مع عودة النازحين السوريين في أقرب فرصة معلنا في الوقت عينه رفضه عودتهم قبل توفر ضمانات من المجتمع الدولي بوجود مناطق آمنة تحت حماية دولية . من جانبه قال وزير العدل اللبناني سليم جريصاتي لـ/قنا / إن الرئيس اللبناني العماد ميشال عون والحكومة اللبنانية يعملان معا على عودة آمنة للنازحين السوريين الى ديارهم . وشدد جريصاتي على أهمية عودة النازحين السوريين الى بلادهم في ظل تزايد أعباء النزوح على الاقتصاد اللبناني وعدم إيفاء المجتمع الدولي بالتزاماته لتأمين احتياجاتهم الإنسانية . ويبقى السؤال هل ستتوقف آلة القتل في سوريا ويعود ما يقارب مليون ونصف نازح الى ديارهم أم سيبقون يئنون في البلد التي تعجز عن تأمين احتياجاتهم الإنسانية على وقع الأزمة الاقتصادية وعدم ايفاء المجتمع الدولي بالتزاماته تجاه هؤلاء . م . م;
مشاركة :