قضية الطلاق الشفهي.. هل تطيح بهيئة كبار علماء الأزهر هيئة كبار العلماء المصرية، التي يترأسها شيخ الأزهر، أحمد الطيب، أصبحت في مرمى النيران بعد أن خالفت مؤخرا، رغبة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الذي طلب من الطيب دعمه في إصدار قانون يحظر الطلاق الشفهي، ويتردد على نطاق واسع أن الخلاف بين الرئاسة والأزهر على وشك أن يتحول إلى صدام، لأن الأولى تريد التجديد، ويظهر الثاني كأنه حجر عثرة في الطريق. العربهشام النجار [نُشرفي2017/02/13، العدد: 10542، ص(13)] الإخوان: طرف غائب في الصورة وحاضر في الخلاف القاهرة- لا يعني تحفظ الكثير من المتابعين للشأن الديني في مصر، على وصف ما جرى بين هيئة كبار العلماء، والرئيس المصري بـ“الأزمة”، أن الصدام أضحى بعيدا عن الانفجار بين المؤسستين، الرئاسة والأزهر، باعتبار أن الحسابات السياسية تفرض عبور هذا النفق، الذي يمكن أن تستغله الجماعات الإسلامية المتشددة لتكريس الهوة، لأن بعد المسافات بات واضحا، في ظل عدم دعوة مشيخة الأزهر للندوة التثقيفية للقوات المسلحة الأخيرة، والاكتفاء بدعوة الداعية اليمني الحبيب علي الجفري. وأكدت مصادر لـ”العرب” أن السيسي نقل ملف تجديد الخطاب إلى مستشاره الديني أسامة الأزهري، الذي أعد تصورا كاملا من خلال استراتيجية محددة، تؤشر شواهد نقلها قريبون من مؤسسة الرئاسة إلى أنه من المقرر أن يبدأ في تنفيذها قريبا. ورغم الموقف المتشدد لهيئة كبار العلماء من قضية الطلاق الشفهي، إلا أن بعض الخبراء في الشأن الإسلامي، وصفوها بأنها لا تزال “معتدلة وتمثل الجناح العلمي المنضبط”، خاصة أن على رأسها كبار المشايخ المعروفين بالوسطية والاعتدال، مثل علي جمعة وأحمد عمر هاشم وطه أبوكريشة ومحمود حمدي زقزوق، وآخرين. حسين القاضي، الخبير في شؤون الأزهر، أرجع الخلاف بين الرئاسة ومشيخة الأزهر، إلى أسباب أخرى سابقة لواقعة الطلاق الشفوي، منها الجمود في تجديد الخطاب الديني، والتقصير الواضح من المشيخة في مواجهة التيارات المتطرفة، فضلا عن سيطرة البعض من قيادات (تحمل الميول الإخوانية والسلفية) على المشيخة، وكلها عوامل أوصلت الخلاف بين المؤسستين، الرئاسة والأزهر، وبين شخصي السيسي والطيب، إلى مستويات غير مسبوقة، منذ بيان يوليو عام 2013، الذي بدت فيه جميع الأطياف السياسية والدينية في مصر منسجمة في مواجهة الإخوان. وكشف القاضي لـ“العرب” أن الرئاسة المصرية تهمها التفرقة بين المشيخة والهيئة، وتتمنى لو أن المشيخة شاركت الهيئة ورجالها الأقوياء، مثل المفتي السابق علي جمعة، في صناعة قرار وصياغة بيان “الطلاق الشفهي”. ما حدث في هذه القضية، ربما لا يمثل صداما حقيقيا بين الهيئة والرئاسة، فالذي صاغ بيان الهيئة هو علي جمعة، أحد أكثر علماء الأزهر دعما للنظام الحالي، كما أن الهيئة أدت دورها ببيان حكم شرعي في مسألة فقهية طُلب منها إبداء الرأي فيها، ولم يطلب الرئيس منها أن تقول بخلاف ما يمليه ضميرها. وألمحت بعض الدوائر إلى الكياسة التي تحلى بها الشيخ أحمد الطيب، عندما أحال طلب السيسي للهيئة، بدلا من إبداء الرأي فيه منفردا، لعلمه بموقع الهيئة من الرئاسة، ومن ثم لن يتسبب قرارها مهما خالف رغبة الرئيس، في تصعيد التوتر بين الرئيس والمشيخة. الإخوان وجماعة الإرهاب يسعون لتغطية فشلهم السياسي بمزاعم أن الدولة المصرية تحارب كل ما هو إسلامي، وتسعى لتخريب الدين والدعوة الإسلامية بتوجيه سهامها للأزهر وعلمائه مع أن الخلاف بين مؤسسة الرئاسة المصرية ومشيخة الأزهر أصبح ظاهرا، إلا أن إسلام المنسي، الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، أكد أن هناك من يستغل هذه الملفات لإحداث قطيعة بين مؤسسة الرئاسة وهيئة كبار العلماء، وزيادة التوتر بين الرئاسة والمشيخة. وأشار لـ“العرب” إلى أن بيان الطلاق الشفهي، تضمن النص على حق ولي الأمر في إلزام الناس بتوثيق الطلاق، والانتقادات المبطنة في البيان ليس المقصود بها الرئيس كما أُشيع، بل سعدالدين الهلالي، الذي سبق أن روج لفكرة إلغاء الطلاق الشفوي، فجاء البيان ليحذر من اتباع “الفتاوى الشاذَّة التي يُنادي بها البعض”. ولفت المنسي إلى خطورة تزامن ذلك مع انتقادات متصاعدة للأزهر وشيخه وهيئة كبار العلماء، التي وصفها البعض بأنها “هيئة علماء الطيب”، وبأن بيانها يُعد تحديا صريحا لمؤسسة الرئاسة وترسيخا لاستقلالية الأزهر، فضلا عن استغلال نوافذ إعلامية محسوبة على جماعة الإخوان لتلك المناوشات، في إطار حملة التشفي ومساعي إظهار مؤسسات الدولة كقوى متنافرة ومتصارعة. ويخلط البعض، عن قصد أو دونه، بين هيئة كبار العلماء وجبهة علماء الأزهر، التي أنشئت عام 1946، وتم تسجيلها رسميا في وزارة الشؤون الاجتماعية، ليتم تجميدها قبل أن تعود للعمل مرة أخرى في أوائل التسعينات برئاسة محمد الطيب النجار رئيس جامعة الأزهر السابق، ومع مرور الوقت زحف إليها الإخوان وسيطروا عليها، وأصدرت فتاوى ناقضت فتاوى شيخ الأزهر السابق، محمد سيد طنطاوي، ونشطت في معارضة النظام بحدة وتطرف، لتصبح الصوت المعارض للأزهر الرسمي والمعبرة عن الإخوان، وحوكم قادتها من قبل المشيخة، وتم وصف أعضائها بالإرهابيين، ثم صدر قرار بحل مجلس إدارتها في 1998 لتطوى صفحتها. ونادى البعض من نواب البرلمان وسياسيون بحل هيئة كبار العلماء، بحجة أنها تمارس دور المؤسسات الكهنوتية، ولم تضم يوما رموزا تنويرية، حيث طالب النائب بالبرلمان محمد أبوحامد، بإعادة النظر في آلية اختيار أعضاء الهيئة، مطالبا بـ“تطهير المؤسسات الدينية”، وقال النائب عمر حمروش، أمين سر لجنة الشؤون الدينية بمجلس النواب، إن الوضع الحالي يتطلب إعادة ترتيب البيت الداخلي بالأزهر. بالرغم من عدم وجود قانون حالي يمنح الرئيس حق حل هيئة كبار العلماء، إلا أنه يمكنه تحقيق ذلك عن طريق مجلس النواب، بعد تقديم رئيس الجمهورية أو الحكومة مشروع قانون لحل الهيئة، وتستطيع الدولة إن أرادت ممارسة ضغوط على شيخ الأزهر تجبره على الاستقالة. وحذر الباحث في الشؤون الدينية محمد جاد الزغبي، من الاستجابة لتلك الدعوات، لأن الإخوان وجماعات الإرهاب سوف يستفيدون من إفساد العلاقات بين الأزهر والرئاسة. ولفت في تصريحات لـ”العرب” إلى أنهم يسعون لتغطية فشلهم السياسي بمزاعم أن الدولة المصرية تحارب كل ما هو إسلامي، وتسعى لتخريب الدين والدعوة الإسلامية بتوجيه سهامها للأزهر وعلمائه، مشددا على مواقف الهيئة السابقة ضد الإخوان، ورفضها الترغيب والترهيب اللذين مارستهما الجماعة عندما وصلت للسلطة، وموقف الأزهر الصارم ضد مشروع الصكوك الذي ضغط الإخوان لتمريره، وقيام الأزهر بعزل الإخواني يوسف القرضاوي، وفصله من هيئة كبار العلماء، بعد قيامه بالتحريض على العنف والإرهاب، وحرصه على “شرعنة” استخدام السلاح ضد الدولة. :: اقرأ أيضاً كيف يصنع التطرف: سؤال الأسباب الذي يتقصد سبل المواجهة
مشاركة :