حين يهدد الفقر الأسرة، تصبح فريسة سهلة لسلوكيات غير سوية وغير منطقية من أجل الابتعاد عنه خوفاً من تهديد أمنها الاجتماعي، إلا أنه في الغالب يدمر أحد أفرادها بطريقة أو بأخرى وطوق النجاة دائماً تحدده الظروف. هذه هي فكرة مسرحية «حنين» التي قدمتها فرقة جامعة الحسن الثاني من المملكة المغربية أول من أمس على خشبة «حمد الرجيب» في المعهد العالي للفنون المسرحية ضمن فعاليات اليوم الخامس من الدورة السابعة لمهرجان الكويت الدولي للمسرح الأكاديمي، وسط حضور كبير من أعضاء هيئة التدريس والضيوف والطلاب تقدمهم الدكتور فهد الهاجري عميد المعهد العالي للفنون المسرحية رئيس المهرجان ونائب السفير المغربي بالكويت ومدير المهرجان الدكتور راجح المطيري. تدور أحداث العرض المسرحي حول فتاة تبلغ من العمر 12 عاماً تقدم لها «أبا سليمان» للزواج بعدما توفيت زوجته، ليثبت هذا الرجل الطاعن في السن أنه ما زال قادراً على الزواج أمام أصدقائه وأنه ما زال يتمتع بريعان الشباب. وعندما تقدم لخطبتها، هذا الوجيه في المجتمع، كان والدها يقدمها إليه على أنه سيشتري لها لعبة صغيرة لأنها لا تدرك الأمور، لتعيش هذه الفتاة الصغيرة محبوسة بين الجدران عشر سنوات، ويحاول هذا المسن أن يعيش معها حياة الأزواج كل ليلة، لكنه يفشل بسبب عدم مقدرته لتظل هذه القاصر طوال هذه السنوات بكراً، وتتنفس الصعداء وترقص حين تعلم بوفاته وتخلع ثيابها التقيلدية وكأنها تعود من جديد طفلة لتحكي بألم ما كانت تعانيه مع هذا الرجل الذي فشل حتى في إشباع أنوثتها. العرض المسرحي يدور في إطار فن المونودراما، وهو مأخوذ من نص «صبية اسمها حنين» للكاتب السعودي عباس الحايك وأخرجته وفاء العدوي وجسدتها على خشبة المسرح الممثلة كريمة والحوس. العمل، وبالرغم من أنه يقدم في مهرجان نوعي، إلا أن صرخاته أسمعت القاعة كلها وأحداثه تميل في كثير من الأحيان إلى الواقعية التي تحدث في الكثير من البلدان العربية، حيث ما زالت بعض الأسر تتاجر في مثل هذا الزواج لمجرد ظهور شخص من الوجهاء الميسور الحال. فالفتاة التي عاشت في ظلام حالك، ترتدي عباءة سوداء بعد وفاة «أبا سليمان»، غيّرت أزياءها ورقصت قبل أن يتم دفنه في المقبرة، لتعبّر عما كانت عليه من معاناة، فهي تدرك تماماً أن أولاده لن يتركوها تعيش معهم بعد وفاته، لتقدم نموذجاً فنياً في هذا النوع المسرحي، ولتثب أن «أبا سليمان» لم يكن شاباً، وأنها ما زالت بكراً. المخرجة وفاء العدوي نجحت في توصيل رسالتها من خلال توظيف خشبة المسرح بالشموع والموسيقى، كما أن حالة الانضباط والانفعال التي تميزت بها الممثلة جعلها تملأ جنبات المسرح بمفردها، بل إن صوتها وصرخاتها كانت تجوب المسرح والجمهور في حالة صمت من أجل أن يترقب ما الذي ستصل إليه حنين في النهاية.
مشاركة :