«طقوس الإشارات والتحولات»... اعترافات وتوبة - مسرح

  • 2/14/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

اعتمدت مسرحية «طقوس الإشارات والتحولات»، التي قدمتها فرقة المعهد العالي للفنون المسرحية في مصر، ضمن فعاليات مهرجان الكويت الدولي للمسرح الأكاديمي، على نص الكاتب السوري الراحل سعدالله ونوس، وأخرجها الطالب محمد يوسف. وقد اعتمد المخرج على طرح رؤية جديدة لنص ونوس، تنطلق من لحظات المأساة الإنسانية، وكشف النفس البشرية، وسقوط الأقنعة، لتتعرى الشخصيات، حتى تصل إلى لحظة الإدراك والتكشف أمام النفس، فتحدث التحولات للشخصيات، سعياً إلى طلب التوبة والمغفرة والندم. ويتم ذلك عبر خطوط درامية رئيسية، ومن خلال حبكة درامية، تدور أحداثها حول الصراع الاجتماعي بين كبار التجار، للسيطرة على الأسواق والنقابات. ولذلك، يتم التدبير للقبض على أحد الأطراف المتصارعة في منزل المطربة، إلا أن التاجر الآخر، يسعى بحيلة جديدة إلى إنقاذ ذلك باستبدال زوجته بالمغنية، وبذلك تتم تبرئة الأول، لكن الأمور تتعقد حينما تشترط الزوجة الطلاق، أي أن الزوجة الأمينة أنقدت زوجها، لكنها لم تستطع العيش مع من خانها. وتتصاعد الأحداث، وفي كل لحظة يتم كشف حقيقة المجتمع، بل وإدانة الآخرين، حتى يصل الجميع إلى لحظة الندم والاعتراف بذلك، فتكون النهاية. وقد ركز المخرج محمد يوسف، على تلك الخطوط، مستبعداً خطوطاً عديدة في النص الأصلي لونوس، وليبدأ أحداثه في صورة حكاية تلقيها الزوجة على الجمهور، لتكون البداية من لحظة النهاية - لحظة إهدار دم الزوجة وقتلها - لكنها كما نرى في ما بعد وداخل الأحداث - قد ماتت - وهي ضحية للجميع، ضحية لمجتمع يرى المرأة من منظور العورة، ضاغطا عليها فإذا ما سقطت تخلى عنها الجميع وهدروا دمها، لكن المرأة في العرض قوية، استطاعت التحدي ورفضت القيود الظالمة، وساعية لأن تصبح حكاية. لقد تحولت الزوجة إلى حكاية، كشفت خلالها المستور داخل مجتمعات الظلام والتحجر العقلي الذي تكون عواقبه وخيمة. واعتمدت المجموعة على التناغم الاجتماعي في الأداء، متماشياً مع الموسيقى الحية لمحمد حنتولة، والتي ساهمت في تجسيد الحالة النفسية، واستطاع إيهاب محفوظ، تحقيق الإحساس الداخلي للشخصية وتحولاتها، بداية من كونه قائد اللعبة الماكر، مروراً بوصوله إلى الحب وإحساسه بالندم، مقابل محمد يوسف، الذي بدأ موقفه الدرامي من الحب والغرور، حتى انقلب إلى نادم باحث عن المغفرة، فكانت مشاهده في المرحلة الثانية وكأنة انجذب بجسده وأصبح إحساسه بأنه مع خط السماء يناجي الله، باحثاً عن الخلاص، وكأنة يريد الرحيل إلى السماء. بينما اعتمد المخرج على التناقض الظاهري، بين مارتينا عادل، في دور الزوجة ابنة الأصول، والمغنية هايدي عبدالخالق، وكلتاهما ضحية. وقد استطاعت فيها مارتينا أن تقدم أداء يتسم بالوقار في المرحلة الأولى، ثم أداء نشعر فيه بصمودها وقوتها في مرحلة ثانية، عبر الاعتماد على نعومة الصوت أولاً، وخشونته في ما بعد، مقابل لغة جسد توحي بالشخوص وعدم الانكسار في كل الحالات. وقد أكدت السينوغرافيا على حالة الطقس التي اعتمدها المخرج، بداية من جمع أماكن العرض على الخشبة دفعة واحدة، مبرراً منزل التجار، ومستخدماً طرازاً قديماً عربياً معتمداً على أسلوب«الأرابيسك»، وإضاءة تؤكد الحالة الطقسية عبر القناديل المعلقة والمغطاة في تناغم مع الملابس العربية القديمة، وإضاءة أخرى تعتمد على التركيز والانتقال البؤري لتحقيق الانتقالات المكانية. لقد استطاع فريق العرض من طلاب معهد القاهرة تقديم قراءة جديدة لنص ونوس، بحس مرهف، وطقوس مميزة، جعلت العرض متناغماً في عناصره، ومحققاً الرؤية الفكرية، والإمتاع جمالياً وفكرياً، بصرياً وسمعياً. * أستاذ في المعهد العالي للفنون المسرحية ـ الكويت

مشاركة :