على المسرحيين الجدد أن يتمردوا على جيل الآباء بقلم: عماد المي

  • 2/14/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

المسرحي التونسي ماهر دبيش العواشري وكان لنا معه هذا الحوار حول مزجه بين المسرح والكتابة والتمثيل والإخراج وحتى الرقص في ما يقدمه من أعمال في مختلف أنحاء العالم. العربعماد المي [نُشرفي2017/02/14، العدد: 10543، ص(15)] لا أظن أن هناك معنى للحرية دون قيود كانت انطلاقة المسرحي التونسي ماهر دبيش العواشري من مسرح الهواة في دار الثقافة بالمحمدية التابعة لمحافظة بن عروس التونسية، بدأ كممثل، مقلدا لشخصية شارلي شابلن ومهرجا في أعياد الميلاد الخاصة والأماكن العامة، كما يقول عن نفسه، ليدرس بعدها بالمعهد العالي للفن المسرحي بتونس، امتهن التمثيل والإخراج والكتابة للمسرح والرقص منذ سنة 2000. يعيش ضيفنا ويشتغل بين تونس وأوروبا منذ سنة 2011. وهو يقدم نفسه دوما كفنان حر ومتعدد الاختصاصات. مسار إبداعي يقول العواشري في بداية حديثنا عن حرية المبدع “هناك فنانون قادرون على العمل رغم أو مع قيود الآخرين، وآخرون لا يمكنهم العمل إلا داخل قيودهم الخاصة، التي وضعوها بأنفسهم. عن نفسي أرى أنني حر لأَنِّي لا أعترف إلا بالقيود التي أرسمها لنفسي، ومسؤوليتي هي تحمل عبء هذه الحرية في كل مجالات الحياة، لذا فخياري الوحيد هو أن أعتبر هذه الحياة مجرد محاولة”. ويتابع ضيفنا “لا أظن أن هناك معنى للحرية دون قيود، لكن أن تقبل كل القيود التي يضعها غيرك لك، بالنسبة إلي هو تنازل كامل ليس عن الحرية بل عن الذات، أي استسلام كامل للجماعة، بينما القيود التي أختارها أو أصنعها لنفسي قد تحقق حرية في الالتزام بها”. وعن وجوده كفنان في هذا العالم، يلفت العواشري إلى أن الفنان ليس صفة جينية أو قدرا إلهيا، فبالنسبة إليه أن تكون فنانا هو اختيار. ويذكر هنا أنه في فترات حياته العملية، كان الفن ترفيها ومغامرة في الحياة لا في الفن، وفي فترات أخرى كان علاجا نفسيا لذاته، ولكنه في فترة متقدمة أصبح فعلا وتأثيرا على الواقع. ويقول ضيفنا حول الفن وتأثيره في الواقع “في جميع أعمالي، أحاول ضم العوالم البعيدة والمختلفة أو المتنافرة في عالم واحد، عابر في الزمن سواء كان ذلك في المسرح أو في الفضاء العام. أعمل في كل عمل على إيجاد لغة جديدة للتواصل بين الفنون وكل تقنياتها، رغم الاختلافات التي قد تصل أحيانا كثيرة حد التناقض، من حسن حظنا أن الفن يمكنه استيعاب كل التناقضات مهما كان حجمها”. نتطرق مع ضيفنا إلى الحديث عن مساره الإبداعي والأفكار والمناهج المحركة له، إذ يلفت إلى أن المحرك الأول له هو الفضول الذي يمتزج برغبة جامحة في اكتشاف الآخر المجهول والثقافات البعيدة. وهذا ما قدمه له المسرح عندما كان في سن الحادية عشرة، حيث قدم له فرصة وفضاء لهذا المحرك الأساسي. ويلفت ضيفنا إلى أن مجال اهتمامه هو الحوار ما بين الثقافات والشعوب والتجريب لأجل اكتشاف سبل محاربة التعصب الثقافي والتعنت العنصري في الفن وخارجه. على الفنان أن ينفتح على كل الأصعدة ويقاوم رغبته في استغلال الفضاء الفني لإعلان آرائه الخاصة أو إبلاغ قناعاته ويقودنا حديثنا مع العواشري إلى سؤاله عن سبله في خلق الحوار ما بين الثقافات والشعوب ومحاربة التعصب، ليقول “في كتابتي الدرامية، أعتني بالقضايا الثقافية والسياسية الحساسة بجدية ودقة في البحث والتحليل، ثم أطرحها على الركح (أو فضاء العرض) بطريقة مفككة، مستهزئة، حالمة، وكأنني طفل ألعب وأعبث بملفات حساسة ومصيرية، دون قصد مني. أرسم صورة أولية للوضع الثقافي، والسياسي للعالم اليوم، ثم أقطع تلك الصورة إلى أجزاء صغيرة وأعيد تجميعها من جديد في العرض، ولكن بطريقة غير منظمة، شبه اعتباطية أو فجائية. أحاول بطريقتي تقديم فرصة لنفسي وللجمهور للنظر إلى المشاكل المعروفة ذاتها ولكن من زوايا غير معتادة. والطرح التفكيكي في أعمالي يسمح لي بمشاركة أسئلتي مع الجمهور”. التمسك بالمستقبل يرى العواشري أنه عليه أن يقاوم رغبته في استغلال الفضاء الفني لإعلان آرائه الخاصة، سياسية كانت أو اجتماعية، أو حتى لإبلاغ قناعاته الدينية أو الجنسية، لأن مقاومة تلك الرغبة هي المحرك الأساسي في عمله. فهو لا يريد إبلاغ المتقبل أي شيء بل يحاول فقط تحفيزه فكريا وحسيا. ماهر العواشري مبدع متعدد الاختصاصات كالرقص والتمثيل المسرحي والكتابة والإخراج، نسأله كيف يستطيع الجمع بين كل هذه التفرعات والاشتغال عليها في كليتها ليقول ضيفنا “أرى كل الفنون كوسائط مختلفة لهدف واحد وهو التواصل. الفعل الفني خاصة والإبداعي عامة أساسه التركيب، وكل نوع فني يقدم لي إمكانيات ووسائل جديدة لهذا التركيب، فلم علي الالتزام بمجال واحد للعمل؟ كل مشروع يتطلب تداخلا وتمازجا خاصا بين أشكال فنية معينة، و مهمتي هي أن أكون منفتحا دوما على كل الاحتمالات”. ويضيف العواشري “أعمل في الوقت الحاضر على مشروع متعدد الوسائط، يجمع كل الأشكال الفنية المعروفة، وقع تطوير فكرته في مختبر علمي وفني طيلة شهر سبتمبر الماضي بالمعهد العلمي الدولي لتحليل النظم التطبيقية (IIASA) بفيانا، النمسا. المشروع هو سلسلة من الفعاليات الفنية ستعرض في مختلف البلدان في جميع أنحاء العالم. مرجعيتنا الجمالية والفلسفية، هي لوحة فوياجر الذهبية، وهي سجلات الفونوغراف التي تم إرسالها على متن المركبة الفضائية فويجر في عام 1977 تحت إشراف الفلكي الأميركي كارل إدوارد ساغان، وتحتوي الرسالة على أصوات وصور مختارة لتصوير تنوع الحياة والثقافة على الأرض، كرسالة مشفرة لأي شكل من أشكال الحياة الذكية خارج الأرض، أو للبشر في المستقبل. تشاركني في هذا المشروع مجموعة من الفنانين والعلماء والمهندسين والباحثين من دول مختلفة”. ويرى ضيفنا أن المسرح التونسي رغم انفتاحه النسبي على الجديد والمختلف إلا أنه يشارك المسرح العربي في المشاكل ذاتها كالمؤسساتية، وشبه التقديس الكامل للمدارس والمراجع وحتى الشخصيات الفنية، زد على ذلك حدود الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، التي تجعل من العمل الإبداعي الحر أمرا يكاد يكون مستحيلا في أغلب الأحيان. الفن المسرحي خاصة والعمل الإبداعي عامة لا يمكنهما أن يتطورا أو يطورا تحت ضغط الأيديولوجيات، والتعصب الفكري. وعن سؤالنا ما هو المطلوب من رجل المسرح اليوم والمثقف عموما؟ يرى العواشري أنه علينا التمسك أكثر بالمستقبل عوض تعلقنا بالماضي. فالقيم العليا والأخلاق هما أيضا في المستقبل، لذا ففي رأيه علينا أن نتوقف عن تنصيب الموروث كمصدر وحيد للإلهام أو على أنه الطريق الوحيد للسلام. فالفكر المحافظ اليوم، كما كان دوما، هو المصدر الأساسي لكل أنواع الإرهاب الذي نعيشه. فالمحافظون، في رأي ضيفنا، يرفضون الجديد وغير المعتاد، ويحنون دوما للماضي ويمجدونه، معتقدين أنه الأكبر والأكثر تماسكا، ولا يعيرون اهتماما لكمال التفصيل وجمال الناقص وتوازن المرتد. ويضيف المسرحي “على المبدع اليوم أن يحمي نفسه من الفكر الرجعي، وعليه أن يراقب نفسه يوميا حتى يقي ذهنه من العدوى. مهما كان مجال إبداعنا علينا أن نؤمن بالمستقبل وذلك بالتركيز على الإيجابي والسلبي دوما على حد السواء، بتقديم فن لا يأخذ أوزار التاريخ على محمل شخصي”. :: اقرأ أيضاً يوميات شاعر بلقاني في زمن الحب والحرب والجنون تظاهرة ثقافية عمانية تحتفي بالكتب والكتاب العمارة المصرية فن له دلالاته وحكاياته 18 فيلما تتنافس على جائزة الدب الذهبي في برلين السينمائي

مشاركة :