شكل انتخاب الملياردير الأميركي دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة حدثاً يصعب التنبؤ بتداعياته، لكنه حتماً سيؤثر بشكل عميق على الأوضاع في العالم. أما فيما يخص العلاقات الأميركية الروسية فالمسألة تكمن فيما إذا كان تشكيل الإدارة الجديدة في واشنطن سيحدث منعطفاً جديداً في العلاقات بين البلدين. فالرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أنهى عهده بإيصال العلاقات الروسية الأميركية إلى أدنى مستوى لها منذ الحرب الباردة. وأدت التناقضات بين القوتين العظميين إلى انعدام الثقة وتعميق التضارب في المصالح تجاه ملفات ساخنة كتوسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) نحو الشرق، والأمن في أوروبا، والأزمة في سوريا، والتوتر مع أوكرانيا. وتوج أوباما تصعيده مع موسكو باتهامها بالقرصنة خلال الانتخابات الرئاسية، تبعه طرد دبلوماسيين روس من الولايات المتحدة. ويستبعد البروفيسور في جامعة بطرسبورغ فلاديمير غيلمان أن تتقدم العلاقات مع روسيا على بقية الملفات في السياسة الأميركية، ويلفت إلى عدم وجود تصورات متكاملة لدى ترامب حول السياسة الخارجية الجديدة ما قد ينذر بحصول مفاجآت. ويرى البروفيسور الروسي أنه سيكون على موسكو «إعادة ضبط» العلاقات مع الرئيس الجديد من المستوى المتدني الذي أوصلتها إليه ممارسات الإدارة السابقة، لكنها لن تكون في كل الأحوال أسوأ من سابقتها، حتى لو كان ترامب مضطراً للتفاهم مع الكونغرس غير المتحمس اتجاه أفكاره «الثورية» بخصوص العلاقات مع روسيا. وفيما يحذر من المبالغة في التفاؤل حيال أميركا «الترامبية»، إلا أنه لا يستبعد حصول اختراق على خط العلاقات الثنائية رغم ما حصل قبل 8 أعوام عندما فاز أوباما بالرئاسة، وتسرع العالم في منحه جائزة نوبل للسلام، تماشياً مع المزاج العام الإيجابي الذي كان قائماً آنذاك، لكن هذا التفاؤل انتهى مع ذلك بتبني واشنطن سياسة عدائية تجاه روسيا. أما نائب رئيس حزب «بارناس» إيليا ياشين فيتهم وسائل الإعلام المؤيدة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بلعب دور دعائي متهور من خلال تصوير ترامب كعميل لبوتين وصنيعة الكرملين، الشيء الذي سيخلق متاعب للرئيس الجديد سيستفيد منها خصومه. وفيما يعتبر أن المرحلة الأولى من العلاقات الروسية الأميركية ستشهد بعض الانفراج، إلا أنه يتوقع أن يصاب الرأي العام الروسي بخيبة أمل تجاه السياسة الأميركية، بحكم ميزان القوى الذي يميل لصالح الصقور. في المقابل، يرى الكاتب السياسي ميخائيل بلياييف أن إيجابية انتخاب ترامب تكمن في أن هزيمة هيلاري كلينتون هي انتصار للكرملين، لأن فوزها هو كالولاية الرئاسية الثالثة لأوباما، عراب العقوبات ضد روسيا. ويشير إلى أن موسكو تنتظر من ترامب ترجمة رؤيته للعلاقات معها والاعتراف بها كقطب ندي ومستقل، والعمل على إلغاء العقوبات ليسترجع الاقتصاد الروسي المنهك عافيته. ويستند بلييايف إلى أن ترامب، رغم افتقاره إلى الخبرة السياسية، إلا أنه يتمتع بنظرة براغماتية وبقدرة على التفاهم مع موسكو، ولا يبالي بـ«الدور التاريخي» للولايات المتحدة في «إصلاح» العالم، وتركيزه على التفاهم مع بوتين بدل الصدام معه، وتبنيه لفكرة تخفيض الدعم لحلف الناتو، التي يستنزف جيوب دافعي الضرائب الأميركيين. تكتيك كان أوباما منهمكاً بتعميق «الحفرة» لوريثة في البيت الأبيض في عدد من الملفات الإشكالية مع روسيا. وقد يبدو مستبعداً تبدل الرؤية النمطية الأميركية تجاه الخصم الروسي، بل يرجح أنها ستبقى أسيرة النظام السياسي القائم هناك، وعليه فإن أي تحسن في العلاقات قد يكون تكتيكياً فقط.
مشاركة :