كتب: عمار عوض يمكن بسهولة تخيل شكل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وهو يكتب تغريدته التي علق من خلالها على خبر استقالة مستشاره للأمن القومي، مايك فلين، على خلفية اتصاله السري مع روسيا، حيث ألقى ساكن البيت الأبيض الجديد بحمم غضبه المكتوم على الصحافة والإعلام، من خلال ضجره من كثرة التسريبات التي اعتبرها القصة الحقيقية، متوعداً بملاحقة المسرّبين، موكلاً ذلك إلى مدير أمنه السابق، كيث شيلر الذي يرافقه كظله في البيت الأبيض، بينما انتقلت مرحلة وضع الرئيس ترامب في الزاوية التي بدأها بمعاداته للإعلام، ثم انتقلت إلى الكونغرس الذي طالب بالتحقيق في استخدام الرئيس لهاتفه الخاص والقديم، بدلاً من الهاتف الرئاسي الذي أعطي له، معتبرين أن ذلك يعرض الأمن القومي للخطر. وبينما تتناوشه الشكوك حول علاقته بروسيا، أتت استقالة فلين لتعضد المخاوف، وتضرب سياساته الخارجية في محاربة الإرهاب في مقتل، خاصة أن مستشاره للأمن المستقيل هو من رسم كل الاستراتيجيات الخارجية من قبل، وخلال الحملة الانتخابية، مثل تلك المتعلقة بمحاربة داعش، والعلاقة مع روسيا، إضافة إلى الخطوط العريضة للتعامل مع إيران، وقضايا الشرق الأوسط المعقدة، ما سيعرقل جهوده في هذا الصدد. تغريدة ترامب التي نشرها عقب استقالة الجنرال فلين التي اعتبر من خلالها أن القصة الحقيقية هي تسرب المعلومات للصحافة، وليس الاستقالة، عندما كتب القصة الحقيقية هنا هي لماذا يوجد هذا العدد الكبير من التسريبات غير الشرعية القادمة من واشنطن؟ سيتم بحث هذه التسريبات، كما سأتعامل مع كوريا الشمالية وما إلى ذلك؟. ويعتبر ترامب أن أكبر الأخطار عليه هي التسريبات التي تأتي من البيت الأبيض، بحسب صحيفة الغارديان التي قالت إنه عين مدير أمنه السابق كيث شيلر لحسم هذه القضية داخل البيت الأبيض والتي باتت تشكل له هاجساً منذ التسريبات التي خرجت للصحافة عن مكالماته التي يجريها، وكان ترامب قال إن معاوني أوباما يقفون وراء تسريب تفاصيل محادثاته مع الزعماء الأجانب. تجدر الإشارة إلى أن الرئيس ترامب ليس على ما يرام مع الصحافة التي يعتبرها تعاديه، كما يشوب التوتر علاقاته مع مجتمع الاستخبارات، ويرى رون كوفمان الذي عمل في البيت الأبيض في أثناء إدارة جورج بوش الأب، أن تسريبات إدارة ترامب هي نصيب مقدَّر بالنسبة لأي إدارة شابة. كانت هناك دائماً تسريبات، يقول كاوفمان، مضيفاً: كل رئيس في التاريخ قال إن الصحافة تكرهه، وإن هناك الكثير من التسريبات. ويشير ريك ويلسون، وهو مسؤول سابق في البنتاغون على دراية بقضايا الاستخبارات، إلى أن مجتمع الاستخبارات يسعى بشكل يائس للبحث عن طرق للحصول على أفضلية في محاولة إبعاد السياسات الخطرة من أن تنحو في اتجاهات كارثية. ويقول عضو اللجنة القومية في الحزب الجمهوري راندي إيفانز، الذي كان محارباً سابقاً في خدمة منع التسريبات: إذا أصبحت الإدارة جادة بشأن التسريبات فسيقومون باختبار الصبغة الزرقاء، وسيجدون المتهمين. بينما كتب إريك غيلر من مجلة بولتيكو قائلاً مجموعة صغيرة من مسؤولي الأمن القومي الحالي، والسابق فقط، هي التي سربت، لكن هل يعتقد أحد أنها سوف تتوقف عند هذا الحد؟. يأتي ذلك بعد أن اصدر النائبان جون كونيرز وإيليا كامينغز، بياناً مشتركاً قالا فيه الآن، نحن في الكونجرس بحاجة إلى معرفة الذين سمحوا بأفعاله -الجنرال فلين- واستمرار حصوله على المعلومات المتعلقة بالأمن الوطني الأكثر حساسية لدينا على الرغم من معرفة هذه المخاطر، كما كتبا: نحن بحاجة إلى معرفة هوية الأشخاص الآخرين الذين هم في البيت الأبيض ويشكلون خطراً حالياً ومستمراً لأمننا القومي. لكن بالنسبة لكوهين الذي يعمل مدرساً في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة هوبكنز، فإن المشكلة ليست في المسربين، إنما في الرئيس نفسه، لأن ترامب لم يُظهر أي اهتمام حقيقي، أو احترام لأي أحد خارج عائلته المباشرة. ويضيف كوهين أنه ليس بإمكانه أن يتوقع هذا من طاقمه. هذا ما يحصل عندما يكون لديك رئيس نرجسي. ويضيف إيفان: نحن ما زلنا في المراحل المبكرة من العملية، وأظن أن بإمكانك أن ترى الكثير من المناورات السياسية في هذه المرحلة، والكثير من محاولات إثبات الذات. وعندما نطالع من محتويات رسالة أعضاء من مجلس الشيوخ التي تطالب بالتحقيق في استخدام الرئيس لهاتف غير آمن والتي نشرتها فوكس نيوز نعلم أن المناورات المتعلقة بالنبش خلف ترامب وصلت مراحل متقدمة، والتي تظهر في رسالة التحقيق التي أرسلها كل من السيناتور توم كاربر، مع زميله الديمقراطي كلير مكاسكيل، إلى وزير الدفاع جيمس ماتيس جنباً إلى جنب مع وزير الأمن الداخلي جون كيلي ومدير وكالة الأمن القومي مايكل روجرز والتي عبروا فيها عن قلقهم من التقارير التي تفيد بأن الرئيس ترامب لا يزال يستخدم هاتفه الذكي القديم للتواصل والتغريد على تويتر، معتبرين أنه يعرض الأسرار الوطنية للخطر يجب أن يكون ترامب مدركاً جيداً للبروتوكول المناسب والضروري للحفاظ على أسرار أمتنا. وحالما يفتح التحقيق حول هاتف ترامب القديم فإنه سيجر الكثير من الويلات عليه، نسبة للاتهامات التي تلاحقه للعلاقة مع روسيا، وعلى اقل الفروض إذا ما أجبر على استخدام الهاتف الرئاسي الآمن سيشكل ذلك مرحلة متقدمة في عملية تدجينه من قبل المؤسسات الأمريكية الاستخبارية التي يعاديها ترامب بشكل كبير. لكن هذه ليس نهاية متاعب الرئيس، إذ تضع استقالة فلين ترامب وسط تحديات خطرة تواجه إدارة ترامب على جبهتي الشرق الأوسط وآسيا، حيث كان فريقه الأمني بقيادة فلين منخرطاً في وضع اللمسات الأخيرة على خطة سحق تنظيم داعش، ومعالجة اختبارات الصواريخ البالستية التي قامت بها إيران وكوريا الشمالية مؤخراً، إلى جانب استعدادات مستشارية الأمن القومي لعقد سلسلة من الاجتماعات ومؤتمرات القمة مع الزعماء الأجانب في الأشهر المقبلة، اعتباراً من قمة حلف الأطلسي هذا الأسبوع في أوروبا، حيث أجمعت معظم الصحف الغربية على أن هذه الاستقالة تشكل ضربة قوية لسياسات ترامب بشكل عام واتجاهاته اليمينية المعادية للمسلمين بشكل خاص والتي كان الجنرال فلين رأس الرمح في هذه السياسات. وترى صحيفة التايم أن المرشحين الثلاثة الأكثر حظاً مثل كيث كيلوج والأديمرال روبرت هاروارد، ومدير المخابرات المركزية الأمريكية السابق، ديفيد بتريوس، ليس من بينهم من له تاريخ مشترك لا في الأفكار ولا في الواقع مثل المستقيل فلين، الذي كان من المؤيدين والمتحمسين لترامب منذ وقت مبكر. ورجحت التايم من اختيار الأدميرال المتقاعد هاروارد، الذي سبق له العمل نائباً للجنرال ماتيس، قائد القيادة المركزية الأمريكية سابقاً، ووزير الدفاع حالياً، ما يمكن أن يعزز من انسجامه مع الفريق الأمني، إضافة إلى عمله السابق وخبرته، عندما كان عضواً في مجلس الأمن القومي خلال فترة الرئيس بوش. وكانت صحيفة واشنطن بوست التي فجرت قضية فلين قالت في تقريرها، أمس، إن هذه القصة لم تنته بعد، وتتساءل عما إذا فلين كان يتصرف حقاً من تلقاء نفسه في هذه الفوضى كلها، مشيرة إلى أن مكتب التحقيقات الفيدرالي يبحث في هذه المسألة وفقاً لتقرير صحيفة نيويورك تايمز التي اعتبرت أن مجلس الأمن القومي كان يعيش في حالة فوضى تحت ظل الجنرال فلين. وقالت كان هذا أول تغيير رئيسي في البيت الأبيض لكنه على الأرجح لن يكون الأخير.
مشاركة :