الحب على لسان المرأة.. يكتبه الرجل

  • 2/13/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: الخليج في أواخر القرن التاسع عشر، بدأت المرأة الكاتبة تعلن عن وجودها في العالم العربي، من خلال أعمال إبداعية، روائية في أغلبها، بالتوازي مع تلك الكتابات، كان مصطلح الكتابة النسائية أو ما يسمى الأدب النسوي، في طريقه للتشكل، ليحتوي ما تكتبه المرأة، أو- بحسب تعبير- الكثير من الكاتبات، ليعزله عن المفهوم الإنساني للأدب، إلى أن صار في أغلب الأحيان هامشا للمتن الرئيسي، المتمثل، فيما يكتبه الرجل، وحتى الآن لم تستطع المرأة المبدعة، التحرر من قيود هذا المصطلح الأدب النسوي، فهي دائما، تابعة للرجل المبدع. ورغم الخصوصية الأنثوية التي تطغى على موضوع الحب في كتابات المرأة إلا أن الدراسات النقدية، دائما ما تجردها منها، حيث تؤكد أن الكاتبات، لم يتحررن بعد من تأثيرات ما كتبه الرجل عن المرأة، وللمفكر اللبناني الكبير علي حرب رأي واضح في ذلك، حيث يقول: إن الكتابات النسائية عن الحب، كُتبت من وجهة نظر الرجل. بعضهن، يؤيد ما قاله حرب، وأخريات، يرين أن هذا التقسيم، بمثابة سحق لحرية التعبير، وهناك طرف ثالث، يرجع السبب في ذلك، إلى الثقافة الذكورية المهيمنة. مرحلة النضج والتكوين إلى حد بعيد، تؤيد أستاذة النقد الأدبي، الدكتورة أماني فؤاد، مقولة المفكر علي حرب، راصدة التحولات التاريخية والاجتماعية التي جعلت من المرأة الكاتبة، تابعاً، للرجل المبدع، إذ تقول: حتى منتصف القرن العشرين لم نقع على كتابة نسوية متمردة، وحتى الآن لا يزال نضج المبدعات في مراحل تكونه؛ في عصر أحدث نسبياً من الرجل، بدأت المرأة الدخول إلى عالم الكتابة، ومن ثم يمكننا القول، إنها تقبلت العالم كما صوره الرجل المبدع، وبدأت تعي مشاعرها من خلال لغة المجتمع الذكوري، المتمثلة في كتابات الرجل، وتلك هي المرحلة الأولى التي خلت تماما من التمرد، والخصوصية الأنثوية. تتابع فؤاد: في المرحلة الثانية وتحديداً في مطلع الخمسينات، كان هناك ثمة تمرد، من جانب المرأة، حيث اتسعت مشاركتها في البنيان الاجتماعي، والثقافي من خلال انتشار جمعيات حقوق المرأة، لكن هذا الحراك لم يفرز، إبداعاً متجاوزاً، ومتحرراً من الرجل المبدع، خاصة في تلك الروايات التي تناولت موضوع الحب، ففي الأدب الحديث، كان أكثر ما يعبر عن المرأة، إحسان عبدالقدوس، ونزار قباني، وغيرهما من المبدعين، ولم تستطع المرأة الكاتبة تجاوزهما، والتحرر منهما، أي التعبير عن ذاتها، بعيدا عن الرجل الذي هو انعكاس للثقافة الذكورية المهيمنة. رغم الحراك الاجتماعي والنشاط الثقافي للمرأة في تلك الفترة، إلا أن ما أنتجته من أدب، كان أقرب إلى الوثائق التاريخية، أي أنه لم يرقَ إلى مستوى الفن. ثمة مرحلة أخرى ظهرت فيها نساء متمردات، بدا ذلك واضحا في كتابات نوال السعداوي، التي تهدف إلى هدم تلك الثقافة الذكورية المتغلغلة في المجتمع، لكنها تظل بعيدة أيضا عن الفن، حيث التمرد كان على المستوى الذهني فقط. ولا يمكننا الآن التقليل من شأن ما تكتبه المرأة من روايات بوجه خاص، فلدينا منصورة عز الدين في مصر، ورشا الأمير في لبنان، وغيرهما من الكاتبات اللاتي لا تقل كتاباتهن عن إبداع الرجل، بل ربما تفوقه، لكن ثمة حصارا دائما تواجهه المرأة، ذلك الحصار، له جذور عميقة، أشك في إمكانية اقتلاعها. التصنيف تمييز الكاتبة والروائية عزة رشاد، تنتصر لكتابة المرأة، وترى أن تصنيف إبداعاتها تحت مصطلح الأدب النسوي، هو تمييز، لها، لما يتمتع به إبداع المرأة من حساسية خاصة، متجاوزة لهذا التناول الذكوري لكبار الكتاب والروائيين، الذين - بحسب قولها- لم يتعاملوا معها كإنسان، بل وضعوها في قوالب محددة، فالمرأة إما تكون كائنا، هامشيا في علاقاتها مع الرجال، أو فقيرة، تسعى للصعود إلى طبقة اجتماعية راقية، عبر أساليب لا أخلاقية. تقول رشاد: هناك روائيون كبار لا مجال لإنكار إسهاماتهم بشكل عام ولكن يحق لي انتقاد نظرتهم للمرأة، فبعضهم قدمها كجسد وكان طبيعيا أن تضع على عينيها نظارة إحسان عبد القدوس السوداء، وهنا كانت حياتها خاوية من المعنى، والنظارة تريحها أيضا من رؤية نظرة المجتمع لها. المرأة الأخرى فقيرة وتعيش في زقاق المدق تشتهي المال وليس لديها سوى جمالها لتحاول اصطياد الرجل الأكثر ثراءً وهي حتى عندما تضحي من أجل أسرتها الفقيرة لا تجد سوى طريق الانحراف. على الجانب الآخر فالمرأة شديدة الرومانتيكية تقضي حياتها بين الأطلال، تحب وتنتظر وتضحي وتعيش وتموت لأجل الحبيب ولا شيء آخر. وفي كل ذلك هي إما أبيض أو أسود خيرة محترمة محبوبة أو العكس تماما. لم يقدمها كإنسان له أفكار ومشاعر وطموحات وإعاقات مجتمعية تكبحه. ومن المدهش ألا تكون فاعلة في فترة ما بعد ثورة 1919 رغم الزخم الفكري والتطور المجتمعي بما يتضمن من نضالات للمرأة ومطالبات بالمساواة القانونية والحق في المشاركة، أما الكاتبة فقد وضعت المرأة في موقع البطولة لا مجرد سنيد للرجل، وأخرجتها من دائرة الرجل الضيقة فهي تحب وتعاني مجتمعا منغلقا وتمييزا على أساس الجنس أو العرق وهذا واضح في روايات كثيرة مثل هدى بركات وميرال الطحاوي وحنان الشيخ وغيرهن كثيرات، وبالنسبة لي ففي روايتي ذاكرة التيه تواجه الراوية عادات وتقاليد بالية تتمثل في كسر الإرادة، وفي بحثها عن الحب تكتشف الراوية أنها لن تجد الحب إلا إذا وجدت ذاتها وحريتها ومعنى حياتها. أما في روايتي شجرة اللبخ فثمة خمس نساء برؤى مختلفة للحب ولمعنى الوجود والحياة يعانين القيود المجتمعية بدرجات مختلفة كما تعاني الابنة الأرمينية من التمييز. عنصرية ضد المرأة فيما ترى الكاتبة والشاعرة هدى حسين، أن هذا التقسيم، كتابة نسائية، وذكورية، ليس أكثر من تمييز عنصري، ضد المرأة، يكرس لتلك الثقافة الذكورية، ويسحق حرية التعبير، بل يسحق مفهوم الحرية ذاته، وتضيف: أنظر لقصائد الحب الفرعونية وأقول ما أبهاها، ثم أنظر إلى عصرنا الحالي وأقول إن أي عاطفة كانت ينبغي التعبير عنها بلغة عصرها. المشاعر واحدة في كل زمان ومكان ما يتغير هو الزمان والمكان المحددان لآليات التوصيل من صيغ ومفردات. وإذا كانت النساء يعبرن فعلا عن الحب بطرائق الرجال فلنعد النظر في المجتمع الذكوري الذي يهيمن على سلطة التعبير، ليقرر الذكوري منها والأنثوي، وكأنه ينبغي الفصل بين أشكال التعبير، أو كأنه هناك نموذج مسبق عن كيف تعبر النساء وكيف يعبر الرجال. إن هذا التقسيم نفسه غبن لجميع الأطراف وسحق لحرية التعبير. وتقول الشاعرة نجاة علي: إن الكتابة الحقيقية هي فعل وجودي محض وليس بديلاً عن أي شيء آخر، وإلا فستكون فعلاً عابراً غير أصيل يتوقف بتوقف دوافعه. من هنا تستنكر الأسئلة العبثية المتعلقة بكتابة المرأة وترى أنها تعكس فكراً ذكورياً استعلائياً سائداً في مجتمعاتنا العربية. وتضيف صاحبة حائط مشقوق: يُنظر إلى إبداع المرأة بشيء من الاستخفاف كما لو كان الإبداع فعلاً مقصوراً على الرجل وحده. ففي مجتمعات مغلقة ومحافظة كتلك التي نعيش فيها، تصبح كتابة المرأة موضوعاً للتلصص والنميمة على حياتها، لا موضوعاً للتأمل والدرس. وتتابع: أتذكر كيف أنني كنت وما زلتُ أنظر بكثير من الاستخفاف إلى بعض الناس وأغلبهم من الحقل الثقافي حين يسألني أحدهم مثلاً أسئلة من نوع: هل الشخص الذي تتحدثين عنه في قصيدتك هو فلان؟ من جانب آخر، ترى نجاة أن بعض الكاتبات ساهمن بسلوكهن في ترسيخ هذا التصور الذكوري عن كتابة المرأة، عبر اختزال الكتابة إلى كونها طريقاً للتعبير عن الظلم الذكوري، واعتقادهنّ بأنه ينبغي أن يحتفي بها الجميع فقط لأنها امرأة بغض النظر عن قيمة ما تكتبه. وانتقدت الشاعرة الكتابات النسوية الضيّقة الأفق معتبرة أن الكتابة الحقيقية لا جنس لها، وينبغي أن تتجاوز جنس كاتبها حتى تتمكن من التعبير بدقة عن هموم إنسانية مشتركة.

مشاركة :