إنَّ المُتتبّع لألسنَة كَثير مِن النَّاس وأفعَالهم، وتَصرّفاتهم وتَناولاتهم اليَوميّة، يَجد أنَّها زَاخرة بالعُنف، وطَافحة بقَاموس الأذَى، ومُتورّمة بمُعجم الكَلِمَات الحَاثّة والحَاضّة؛ والمُحفّزة والمُستدعية للعُنف، ومُمَارسة التَّطرُّف..! وحتَّى لا نَضيع في مسَاحة الاستطرَاد اللُّغوي، دَعونا نُقيّد المَقَال بالمِثَال، مِن نَوعيّ العُنف المُتمثِّلين في الأقوَال والأفعَال..! ففِي الأقوَال: نَجد أنَّ كَلِمَة ضَرَب وطقّ؛ تَستولى عَلى الألسُن، فهُنَاك -مَثلاً- مَن يَقول: ضَربنا سَندوتشات يحبّها قَلبك، والمُستمع يَقول للعَازِف: اضرَب عَلى الوَتَر الحسّاس، والضَّرب في الأرض يَشي بكَثرة الأسفَار، واضرب لَنَا مَوعداً لا نخلِفه، وتَتذكَّرون أنَّني ضَربتُ مَثَلاً في بدَاية الفَقرة، لَكن القَارئ العَجِل لا يَنتبه كَثيراً للجُمل المُعترضة.. مَا عَلينا، المُهم أنَّني أحصَيتُ في قَواميس اللُّغَة؛ أكثَر مِن ستّين مَعنَى لكَلِمَة ضَرَب..! وكَذلك الأمر يَنطبق عَلى كَلِمَة طَقّ، فيُقال مَثلاً: طقّينا حَنك، والعَرفج طَقّ زَوجة جَديدة، ود. عبدالرحمن العرابي طَقّ سَاعة رُولكس غَالية الثَّمن، والمذيع المُتألِّق عَلي العلياني طَقّ فِيلا جَديدة..! أمَّا فِيمَا يَخص الأفعَال، فأنتَ تَجد أنَّنا في أحلَى وأرقَى وأنقَى؛ سَاعَات الوَنَاسَة والفَرح؛ نَستخدم أدوَات العُنف، ونَتفَاعل مَع الفَرح بوَسائل التَّرح، ولنَضرب مَثلاً -هُنَا- بالرّقص بالخَنجر أو الجَنبيّة، وهي إحدَى أدوَات الطّعن الفَتَّاكة.. وفي الحجَاز هنَاك مَن يَلعب المُزمَار رَاقصاً بالعصَا، ونَحن نَعرف أنَّ العَصَا لِمَن عَصا..! وآخر هَذه الأفعَال المقيتَة؛ إطلَاق الرّصاص في الهوَاء، مِثل النِّيرَان التي تُدعى صَديقة، لتَتحوَّل أحيَاناً في أفرَاحنا إلَى نيران عَدوّة، ومَا أكثَر مَا قَرأت عَن تِلك الأفرَاح، التي يَعبث أهلهَا بالرّصَاص وإطلَاق النَّار، فيَنقلب المَشهد مِن الفَرَح والسّرور؛ إلَى المَآتم والأحزَان، وتُطفأ الشّموع في حَضرة البُكَاء والدّموع..! حَسناً.. مَاذا بَقي؟! بَقي القَول: يَا قَوم، إذَا أردتُم أنْ تُخفِّفوا العُنف، وتَخنقوا التَّطرُّف، فرَاقبوا أفعَالكُم وأقوَالكُم، لأنَّها هي المُحرِّض والمُحفِّز؛ لارتكَاب ومُمَارسة الأذَى والضَّرب والعُنف..!!! المدينة
مشاركة :