ماريون كوتيار من النجمات الفرنسيات القليلات اللواتي نجحن في خوض التجارب السينمائية الهوليوودية على المدى الطويل وتحت إدارة كبار المخرجين وإلى جوار عمزالقة آخرين هم أبطال الأعمال التي تؤدي بطولاتها. وبدأت الحكاية في عام 2006 حين مثلت كوتيار شخصية المغنية الفرنسية الراحلة إيديت بياف في فيلم فرنسي عنوانه «الصبية» عرض في العالم كله جالباً لصاحبته أكبر الجوائز كأفضل ممثلة، منها جائزة الأوسكار الأميركية التي فتحت أمامها أبواب السينما العالمية. وآخر ما ظهرت فيه كوتيار من أفلام «حلقة القتلة» إلى جانب النجم مايكل فاسبندر، و «حلفاء» مع براد بيت، و «روك أند رول» الذي أخرجه شريك حياتها الفرنسي غيوم كانيه، و «داء الأحجار» لنيكول غارسيا. واستحقت كوتيار جائزة تكريمية لمشاركتها في السينما الفرنسية منحتها إياها جمعية «لوميار» التي تمثل الإعلام الأجنبي في فرنـــسا (وتـشارك فيها «الحياة») والتي تقيم احتفالاً سنوياً في باريس توزع فيه جوائزها على أفراد السينما الفرنسية، حال ما يحدث مع السينما الأميركية في لوس أنجليس تحت اسم»غولدن غلوبز». كوتيار التي تنتظر مولودها الثاني من غيوم كانيه، تتحدث هنا إثر تسلمها الجائزة في مسرح «مادلين» الباريسي: > ما معنى تسلم جائزة الإعلام الأجنبي بالنسبة إليك؟ - المراسلون السينمائيون هم الذين يكتبون في وسائلهم الإعلامية عن الفن السابع الفرنسي ومخرجيه وممثليه، بالتالي يساهمون في الترويج للسينما الفرنسية خارج حدودها المحلية، بل يلعبون أحد الأدوار الرئيسية في حصول بعض هذه الأفلام الفرنسية على توزيع في الدول الأجنبية، وهم بالتالي من أعمدة الصحافة في شكل عام، وكونهم قد انتخبوني للفوز بجائزة تكريمية تخص الدور الذي ألعبه في السينما الفرنسية هو أمر يمسني من قرب وأتباهى به. أنا فخورة بهذا التكريم. > أنت معتادة على الحصول على الجوائز، حتى الأوسكار الأميركية، فهل تظل مثل هذه المناسبات ذات قيمة ما في حياتك الفنية؟ - نعم وإلا لما حضرت لتسلّمها. ودعني أفسر لك الفوارق بين مناسبة وثانية، فجائزة الأوسكار مثلاً التي فزت بها عن دوري في فيلم «الصبية»، كرّمت أسلوبي في الأداء وطريقتي في الانغماس في قلب شخصية محددة وإعادتها إلى الحياة أمام الكاميرا. وهذه حال الكثير من الجوائز الأخرى المرادفة وفي كل مرة عن فيلم معين ودور معين وطبقاً لتقدير لجنة تحكيم معينة لمناسبة محددة، مثل مهرجان سينمائي أو سهرة توزيع مكافآت وحسب. ومهما تعددت مثل هذه الأحداث، لا شك في أني سعيدة بالوجود فيها وبالحصول على تكريم يزيد من صلابتي المهنية ويدعم وجودي فوق الساحة ويمنحني درجة إضافية من ثقتي بنفسي وبقدراتي على مواجهة الأدوار الصعبة. أما جائزة «لوميار» التي تسلمتها قبل لحظات، فهي أيضاً تعني لي الكثير لأنها لا تكرم أدائي لشخصية خيالية أو واقعية محددة، بل تشجعني على جهودي الخاصة بالترويج لسينما بلدي وطريقتي في اختيار الأفلام التي أشارك فيها محافظة دائماً على مستوى رفيع من النوعية من حيث السيناريو والأشخاص الذين أتعامل معهم. لم أشعر بعد بأي ملل تجاه الجوائز لسبب بسيط يتلخص في درايتي التامة أهمية الدور الذي تلعبه كل واحدة منها في مشواري الفني. وإذا غابت مثل هذه الإثارة أكتفي بما عندي وأترك الجوائز لغيري حتى يفرحوا بها. > لكنك صرت ممثلة دولية، ألا يقلل الأمر من دورك كفنانة فرنسية فوق الساحة؟ - لا، بل على عكس ذلك، أنا ممثلة فرنسية تشارك في أعمال دولية رافعة رأس بلدي في كل مكان، ولن أكون أبداً فنانة أميركية مهما فعلت هوليوود، لمجرد أني أظهر في أفلام تنتجها. ويكفي اسمي بلفظه الفرنسي حتى لا يخلط العالم بين جذوري وهوية أفلامي. ولعل سهرة «لوميار» اليوم خير مكان ليعرف كل واحد محله نظراً إلى تعدد الجنسيات الموجودة فيها. حدود قريته > أنت بطلة كل من الفيلمين الهوليووديين «حلفاء» مع براد بيت، و «حلقة القتلة» مع مايكل فاسبندر، ثم الفرنسيين «داء الأحجار» لنيكول غارسيا، و«روك أند رول» لشريك حياتك كانيه، وكلها في الأسواق في وقت واحد تقر يباً، فهل تفرقين بين السينما الأميركية والفرنسية في شكل ما؟ - نعم، أفرق بين الواحدة والثانية وكل الهويات السينمائية الموجودة على الأرض، ولن تسمعني أبداً أقول أن لغة السينما واحدة في العالم كله، مهما حدث، وأن الممثل يدرك، بمجرد الإشارة، كل ما يحدث فوق «بلاتوه» التصوير، سواء كان المخرج صينياً أو عربياً ومدير التصوير فرنسياً أو صربياً، والممثل الذي يرغب في نشر هذه الإشاعات يكذب أو لا يفقه أي شيء في السينما، ولم يشارك إلا في تصوير أفلام محلية لم تخرج عن حدود قريته. هناك بلا شك نقاط مشتركة بين أي فيلم وآخر في العالم كله، مثل الكاميرا والأضواء ووجود فريق تقني وآخر فني يتشكل من الممثلين، لكن الموضوع يقف عند هذا الحد، فالحكاية التي يرويها الفيلم الروسي، على سبيل المثل، لا علاقة لها بمثيلتها في فيلم هوليوودي، وإن كان كل من العملين يستوحي من كتاب واحد. هناك ثقافات وهويات ومدارس فنية سينمائية ومسرحية لا يشبه بعضها بعضاً، وكم من فيلم فرنسي ينتمي إلى الموجة الجديدة في زمن الستينات من القرن العشرين اقتنت هوليوود حقوقه في ما بعد وأعادت إنتاجه في حلة أميركية، وأنا أفكر أولاً في الفيلم الاستثناني «آخر نفس» لجان لوك غودار، حيث لا يتسنى لدى مشاهدة العمل الأميركي أن يعثر المتفرج على أي نقطة مشتركة مع الفيلم الفرنسي الأصلي، لا من حيث الروح ولا الهوية ولا المشاعر ولا أسلوب معالجة الحبكة، مع أنها واحدة. إننا نعيش في عالم ثري بفضل الاختلافات التي تميزه وأنا أعتبر عملي في كل من هوليـوود وفرنــسا بمثابة ثروة فنية ونفسية إضافية ومزدوجة بالنسبة لي. لكل مكانه > متى تنوين الاتجاه إلى الإخراج مثل الكثيرات من زميلاتك الممثلات؟ - مبدئي الأساسي في الحياة هو «كل واحد في محله»، وأنا لا أؤمن بنجاح المرء منا إلا إذا عرف مكانه واحتله على الوجه الأفضل. أن الإخراج مهنة سينمائية في حد ذاتها يتم تدريسها في مدارس السينما في العالم كله، والتمثيل بدوره يتم تلقينه في معاهد الدراما، وهو عبارة عن نشاط مهني منفرد. لا أعارض فكرة الجمع بين عملين منفصلين، لكن شرط الإلمام التام بهما، وليس لمجرد التفكير بأن ممارسة الواحد يسمح تلقائياً بإدراك خفايا الثاني. > معنى ردك أنك لا تنوين ممارسة الإخراج؟ - على الأقل ليس في الوقت الحالي. > هل أحببت السينما منذ صباك؟ - نعم، فأنا كبرت في جو عائلي سادته العلاقات الفنية الوطيدة، خصوصاً بفضل انتماء والدي إلى دنيا المسرح ومشاركته الدورية في أفلام سينمائية وتلفزيونية. وأنا كنت أتردد إلى السينما مع والدي وشلة من أصدقائه في كل يوم أربعاء لمشاهدة أحد الأفلام الجديدة المعروضة في الصالات في اليوم ذاته. وكنا جميعاً، أنا وأبي وأفراد شلته، نحبذ أفلام المغامرات والعصابات، من أميركية وفرنسية. هكذا وقعت في غرام السينما ووجدت نفسي في شكل تلقائي أتجه نحو تعلم الدراما والسعي وراء الظهور على الشاشة بدوري. > وماذا عن المسرح في حياتك الفنية؟ - لم يعثر حتى الآن على ثغرة ليزيح السينما من طريقه.
مشاركة :