في مايو/أيار من العام المنصرم، ظهر مرض فريد من نوعه على امرأة أميركية بولاية بنسلفانيا، وهذه الحالة المرضية النادرة تتمحور حول عدم استجابة البكتيريا المقاومة للمضادات لكافة أنواع المضادات الحيوية للقضاء على هذا الالتهاب الذي تسببه بكتيريا مقاومة لكافة المضادات "antibiotic resistance"، وهذا ما دفع المسؤولين بالقطاع الصحي الأميركي للإعلان عن هذه الحالة، وما تحمله من تهديدات جمّة قد تصيب الحلقات والقطاعات الطبية بالشلل، والذي يدرس الطب أو علم الأمراض مثلاً يعرف ماذا يعني استخدام المضاد القديم الجديد الكوليستين "colastin" الفعال بنسبة 80% بناء على دراسة أميركية أو الفانكوميسين "vancomycin" الذي يعرف بالملاذ الأخير حين نعجز عن معالجة المرض بالمضادات المعروفة عالمياً بعوائلها المختلفة، وهذا ما تم استخدامه مع المرأة آنفة الذكر. لنعرج قليلاً على نشأة المضادات لفهم ماهية هذه المضادات وكيف نشأت: في عام 1928 بدأ العالم الاسكتلندي ألكسندر فلمنغ بملاحظة عدم نمو البكتيريا حول فطر البنسيليوم "penicillium notatum"، ورجح هذا العالم أن ذاك السبب يرجع لإفراز هذا الفطر مادة مثبطة أو قاتلة لهذه البكتيريا، لكنْ لم يستطِع استخلاص هذه المادة المثبطة إلى حين أن قام العالمان البريطانيان تشين وفلوري باستخلاص هذا المضاد من الفطر الذي يعرف حالياً بالمضاد الحيوي البنسلين "penicillin"، وبفضل هذا الاكتشاف انخفضت معدلات الوفيات في السنوات اللاحقة من 53% إلى 3%. لكل مضاد طريقة معينة يؤثر بها على الخلية البكتيرية، فمنها ما يؤثر على جدار الخلية البكتيرية كاسيفالوسبورين "cephalosporin"، أو على الغشاء البلازمي كالستاتين "statin"، والبعض يعمل على إيقاف تصنيع البروتينات كالتتراسيكلين "tetracycline"، لكن بعض البكتيريا تكون مقاومة لهذه المضادات، وذلك يرجع لأسباب منها: 1- أخذ جرعة الدواء من غير الرجوع إلى طبيب مختص، وهذا يعود سلباً على المريض، وإيجاباً على البكتيريا؛ لأن كل مضاد خاص ببكتيريا معينة كموجبة غرام مثلاً، فأخذ المريض لجرعة من المضادات يؤثر على أنواع أخرى مثل سالبة غرام التي يعيش جزء منها في أجسامنا معيشة تكافلية، وتسمى "normal flora" ويقدر عددها بخمسة عشر ضعفاً مقارنة بخلايا الإنسان مجتمعة، فيؤدي ذلك لظهور بعض أنواع من البكتيريا الضارة، فهو بذلك قد أخل بالتوازن الطبيعي للبكتيريا، وسبب لنفسه أمراضاً أخرى. 2- عدم أخذ الجرعة كاملة، بعض الأشخاص يذهبون إلى الطبيب، فيصف لهم الطبيب الدواء، فلا يكملون "الكورس" العلاجي بشكل تام، فيسمح بذلك للبكتيريا للتغلب والتكيف مع المضاد والتغلب عليه. 3- بعض الأطباء عندما يعجز عن تشخيص حالة مرضية يقوم بإعطاء المريض مضاداً واسع الطيف "broad-spectrum antibiotics" متكاسلاً أو منتظراً نتيجة الفحص المخبري الذي يقضي بعمل مزارع للتشخيص السليم وإعطاء المريض العقار المناسب. 4- بعض الصيدليات تبيع الدواء من غير وصفة طبية، وهذا بحد ذاته كارثة، فأصبح المضاد يستخدم كغذاء لبعض أنواع البكتيريا، إن جاز التعبير. 5- قيام بعض المزارعين بحقن الحيوانات بهذه المضادات بأسلوب مبالغ فيه وغير مدروس، وبعيد كل البعد عن المراقبة الصحية، فتحاول البكتيريا التغلب عليه، ثم إن أكلنا لهذه الحيوانات أو ملامسة الأرض التي تحيط بها كفيل بإدخال آلاف الميكروبات المقاومة للمضادات لأجسامنا. إن مشكلة ظهور البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية لينذر بكارثة إنسانية، وهذا ما حذرت منه منظمة الصحة العالمية في عام 2015، قبل ظهور الحالة المرضية التي ظهرت في بنسلفانيا، المضادات سلاح كنا نستخدمه لقتل معظم الميكروبات.. لكن اليوم انقلب السحر على الساحر، فأصبح سلاحاً عديم الفائدة حينما أسأنا استخدامه. ولتجنب هذه الظاهرة التي تهدد الحياة بشكل عام والبشرية بشكل خاص، فمن الواجب علينا أن نحسن استخدام هذا السلاح الفعال استخداماً سليماً من غير إفراط واستهتار، وأن نأخذ بعين الاعتبار النقاط الخمس المذكورة سابقاً. وإن كانت المسؤولية تقع على الطبيب والصيدلي بالدرجة الأولى لخبرتهما في هذا المجال؛ لامتلاكهما الصلاحيات بصرف المضادات والعقاقير، لكن هذا لا يعفي كل إنسان لديه المعرفة والدراية بالتحذير والالتزام بالقواعد والسلوكيات المتبعة.. فـ"درهم وقاية خير من قنطار علاج". ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :